بقلم : صابرين فرعون
بما يشبه رواية السيرة الذاتية ، يدخل بدر السويطي لعالم الرواية علماً أنه صدرت له سابقاً ثلاث مجموعات شعرية..
يعتمد تقنيات مهمة في سرده كالاسترجاع الفني والتسلسل في الأحداث ، فهو يحكي بعد وقوع الأمر بوقت ، ثم يتدرج في حبكته مستنداً لواقع ملموس فيما يمر العربي عندما تُسد بوجهه أبواب العمل كمواطن يبحث عن لقمة العيش الكريمة ، كفرد من البدون في دولة الكويت سافر للعراق وإيران، ثم هرب للنمسا ،تحديداً"فيينا"، ثم لجأ لألمانيا وتسلل لسويسرا بعدها رُحِّل لهولندا ثم عاد لألمانيا مجدداً للاستقرار ، تتحدث الرواية في محورها الأساسي عما يلقاه الراوي في محطات الهجرة من فوارق طبقية وعنصرية وترحيل وسجن ... الخ ، يقوم الألمان بهذه الخطوات إزاء الوافدين من مهاجرين كي لا يحصلوا على إقامة وجواز سفر لنزع حقوقهم والمساواة بين السكان وأهل البلد كمواطنين في غير دولهم ، لم يعد الراوي دخيلاً بحكم فهمه الصحيح لواجباته الفردية وحقوقه كمواطن وتوافق أيدلوجيته والمفهوم الحضاري للتواصل وفرض احترامه على الضابط الذي كان يهدد بطرده طوال الوقت ، فيقول: " مستوى حضارة وتقدم الشعوب يقاس بالمستوى الأخلاقي والإنساني، على هذا الأساس تقاس حضارة الإنسان، وعندما يشعر المرء بالعنصرية اتجاه عرقه ودينه ولونه فإن ذلك يحط من قدره وكرامته، وتصل بي الأمور إلى التعبير بغضب عن تلك الممارسات بالشوارع العامة باصقاً في وجوه أولئك العنصريين واصفاً إياهم بأبشع الشتائم مستحضراً قول المسرحي الألماني الشهير بريشت:
إن الألمان شعب خسيس لا يريدون أن يفهموا أن على ظهر هذا العالم بشر يشاركونهم الحياة. قد أتفق نسبيا مع هذا القول لأن ثمة أناساً طيبين في هذا الشعب لا تشملهم نظرة التعميم"..
هذا التشعب اللانهائي داخل متاهة الهجرة من ناحية والتسلل الموازي للهرب من شعور الغربة ولإيجاد الذات أوجد فكرة عنوان الرواية ..
وظف السويطي شعريته في تصوير المشاهد السردية ، لإنطاق الصورة المشهدية بأحاسيس واقعية لتجربة إنسانية حقيقية تشبهه هو وتحكيه من خلال أناه الثانية المُتخيَلة "الراوي المُصاحِب" ، وفي نفس الوقت هو يمزج بين عالمين سرديين يعتمدان الموضوعي والذاتي كون التجربة تمثل شريحة أكبر من الذات المفردة وما تكابده في الهرب من البطالة والفقر ويكون الحل الهجرة القصرية .. التوصيف والمفارقة والاقتران بدت ظاهرةً جليةً في فقرات العمل ككل وتغني سرد الراوي في رحلة بحثه عن الذات والتناغم الكوني بين الإنسان وذكرياته التي تحفزه على المضي قدماً في تحقيق طموحاته ، كما في هذه الفقرة " هناك حيث منصة الشمس وحيث تحط الصباحات شعاعها السماوي على تلك الدار العتيقة أصغي لهديل الحمام وحفيف أجنحته. وقد كانت أمي تطعم تلك الحمائم كل يوم وتنثر لها الحنطة في باحة المنزل، والحمام بأشكاله الجميلة والملونة يهبط تارة ليلتقط الحبيبات، ثم يعاود التحليق. إنها الرحمة الإلهية والرزق الوفير الذي يحوم في منزلنا."
كما تظهر ثقافة السويطي في المختارات العالمية وتعريفنا ببعض الأنماط والمعالم التي وظفها بدرامية تخدم حبكة العمل الأدبي ، مثل :كولن ولسون "اللامنتمي" ورؤية السويطي للكتاب ، مقطع من قصيدة "طائر بلا سماء" للعراقي سعد الجاسم ، الباروك كنمط معماري وثقافي في فيينا ، أغنية فيروز "راجعين يا هوى" ، قول لنيتشه "إن الآلام الكبيرة تجعلنا كباراً" ، مقطع من رسالة فنسنت فان كوخ لأخيه " شيئان يحركان روحي: التحديق بالشمس، وفي الموت.. أريد أن أسافر في النجوم وهذا البائس جسدي يعيقني! متى سنمضي، نحن أبناء الأرض، حاملين مناديلنا المدماة.." ،كذلك ترك السويطي بصمته الشعرية في روايته الخاصة حيث يترك لنا التأمل بمختارات من قصائده مثل :قصيدته "خطبة الجوع من على منصة الحاوية" ..
بدر السويطي من مواليد الكويت، شاعر وكاتب ، صدر له :شعر "الفتى الذي لا وطن له" ، "خطبة الجوع من على منصة الحاوية" ، "بصمات على حائط المنفى"شاركت في مهرجان الشعر في المغرب ، رواية "متسلل نحو المتاهة" صدرت حديثاً عن دار فضاءات للنشر والتوزيع .