يشهد هذا الأسبوع الحدث الأبرز بالنسبة للأسر الأردنية وأبنائها وبناتها ألا وهو عودة طلبة المدارس لبيتهم الثاني، وربما يكون صبيحة يوم العودة للمدارس هو اليوم الأسعد والأكثر فرحاً لكل بيت في وطني الحبيب، فالأبناء يشدّهم الشوق للعودة لمدارسهم حيث التعليم والتربية والأصدقاء والأساتذه والبيئة المدرسية وغيرها، وكذلك الأمر بالنسبة للأهل وأرباب الأسر حيث يشدّهم الماضي التليد والحنين والشوق والألفة وغيرها. فاليوم الأول في المدرسة فرحة وتأمّل، فرحة لبدء العام الدراسي الجديد ومهرجان اليوم الأول بالمدرسة – وخصوصاً لطلبة الصف الأول الإبتدائي المبتهجين وكأنه العيد بالنسبة لهم- وكذلك لقاء الأخوة والأصدقاء والأحبة والنهل من معين المدرسة الخصب والذي لا ينضب، وتأمّل بالمستقبل بنظرة ثاقبة تفاؤلية لغد مشرق بالرغم من جراح كل الناس التي تأنّ من حولنا في دول الأخوّة والجوار، وربما هذه فرصة لأبنائنا لإستثمار فرصة الأمن والأمان والإستقرار التي ينعم بها وطننا الحبيب ليعيشوا حياتهم الطبيعية دون منغّصات تذكر. العودة للمدارس نقلة نوعية من حياة الكسل والخمول والفوضى والراحة والإستجمام وغيرها من استحقاقات العطلة الصيفية، لحياة النشاط والحيوية والحركة والنظام والرتابة وإدارة الوقت والعمل والإنتاج والشوارع المزدانة بالشباب الواع وغيرها، والمهم هنا الفصل بين وقت الدوام ووقت العطل وخلق شباب مدرك لأهمية التعليم والتربية والعمل والإنتاج، بمعنى أن وقت الراحة للراحة ووقت العمل للعمل، ومن هنا تبرز قيمة الجدّية في مواضيع العمل والإنتاج في مستقبل الشباب العملي. العودة للمدارس تعني عودة الحياة والنشاط والعمل لبيئة المدرسة، وكأن المدرسة كالأرض القفراء التي نزل عليها الماء فإهتزّت وربت، ولبست المدرسة حلتها وتزيّنت بأهل الدار فلذات أكبادنا الذين يمشون على الأرض هوناً قاصدين العلم والمعرفة والأخلاق والتربية والإنسانية والإجتماعيات والحياة والسعادة وغيرها. العودة للمدارس تعني ولادة سنة جديدة للجميع، ونتطلّع أن تكون مليئة بالفرح والسعادة لكل الأبناء والبنات، فمن هنا وعلى أرض المدرسة يتم صناعة ثقافات الفرح والسعادة والهم والشقاء وكل الثقافات الأخرى، فلنسعى جميعاً إدارات مدرسية ومعلمين وإداريين وطلبة وأهل ومجتمع ومؤسسات أن ندخل الثقافات الإيجابية على أدمغة شباب اليوم رجال الغد ليكونوا إيجابيين لا سوداويين، ولنفوّت الفرص على كل محاولات العبث بعقول هؤلاء الشباب من قبل المتطرفين من خلال توسيع مداركهم وفكرهم الوسطي والمتسامح لغايات نبذ كل غلو وتطرّف والوقوف في خندق الحق وثوابت الوطن وديننا الحنيف الذي ينبذ الإرهاب والإجرام والتطرف. العودة للمدارس تفتح ملفات تربوية وتعليمية جساما بدءاً من نوعية التعليم وتأهيل المعلمين والمناهج ومواءمتها للعصر ومروراً بالبيئة التعليمية ومخرجات التعليم وربطها بالتعليم العالي والجودة والشخصية الطالبية ووصولاً للتربية وغرس القيم والإتجاهات والأخلاقيات والثوابت لدى الناشئة وغيرها، وتصويب العلاقة البينية بين الوزارة والنقابة والتي باتت تنعكس سلباً على مخرجاتنا التعليمية، فكل هذه الملفات تحتاج لحديث وعمل مستفيض وربما بعضها كان عناوين بارزة في مؤتمر التطوير التربوي الأخير وشُكِّلت لجان تربوية متخصصة لمتابعته. العودة للمدارس تجعلنا نحن الأهل وأبناؤنا الطلبة نزجي من الشكر أجزله للمعلمين المخلصين والأوفياء لرسالتهم التعليمية، وللإدارات المدرسية ووزارة التربية والتعليم وجهودها التراكمية الدؤوبة في سبيل رفعة نوعية التعليم والرقي به لمصاف الدول المتقدّمة، وخصوصاً بأن التعليم هو رأس مالنا الأردني فوق الأرض حيث لا رؤوس للأموال تحتها فلا موارد طبيعية تذكر! وبالمقابل محاسبة كل مقصّر بحق الوطن وأبنائنا الطلبة. العودة للمدارس تجعلنا نثني على ما تم إنجازه لإعادة هيبة الثانوية العامة من إجراءات إدارية وتربوية لا تُنكر، لأن سمعة الثانوية العامة تعكس مخرجاتنا التعليمية والتربوية، وفي ذات الوقت تجعلنا نحلم بتطوير العمليات التعليمية والتربوية صوب الجودة وتحسين المخرجات لتنعكس على الطالب تربوياً وتعليمياً وثقافة وأخلاقاً ومعرفة وتميزاً وأداءً وغير ذلك. العودة للمدارس تجعلنا في العين الأخرى نتطلّع وفي القلب غصّة لمن حُرموا من السعادة من محرومين ومساكين وأيتام وغيرهم، ونتطلّع للاجئين ممن حرموا من أوطانهم، ونتطلّع لمشاكل مدارس الأنوروا، ونتطلّع لقدر الأردن الذي آوى ونصر كلّ هؤلاء واستقبالهم كمهاجرين وأنصار رغم ضيق ذات اليد، ونتطلّع لمشاكل وحالات عديدة من الحرمان الأخرى. العودة للمدارس تجعلنا نتطلّع أيضاً لنراقب سلوكياتنا إبّان أزمات السير الصباحية لنكون نموذجاً يحتذى أمام أبنائنا ونحن نوصلهم لمدارسهم، لينشأ هذا الجيل على النظام وحب الوطن والإنتماء إليه والمساهمة في بنائه، وكذلك المحافظة على البنية التحتية للمدارس ومرافقها وغير ذلك. العودة للمدارس فيها دعوة للإدارات المدرسية والمعلمين لتكون مدارسنا جاذبة لا طاردة، وأساس الجذب هو العلاقة البينية والإنسانية والتعليمية والإحترام بين المعلّم والطالب، فالمعلم النموذج في تعليمه وخُلقه أمام الطالب يجذبه للمدرسة ويجعل المدرسة مُحبّبة لديه، وكذلك المنهاج والإدارة المدرسية والبيئة المدرسية وغيرها من عناصر البيئة المدرسية. العودة للمدارس تجعلنا نؤكّد اعتزازنا بقيادة هذا البلد الهاشمية وعلى رأسها جلالة الملك المعزز عبدالله الثاني بن الحسين المعظم، وولي عهده المحبوب سمو الأمير حسين بن عبدالله،والذي وضع التعليم كأولوية وطنيّة ووجّه الحكومات المتعاقبة مراراً لإنجاز ثورة بيضاء في التعليم صوب الحداثة ومواكبة العصر وولوج طريق الألفية الثالثة، وكذلك اعتزازنا بجلالة الملكة رانيا العبدالله والتي لم تتوانى يوماً عن الإهتمام بالإصلاحات التعليمية ومتابعتها واللقاء بطلبة المدارس على سبيل التطوير والتحديث. بصراحة يوم العودة للمدارس عيد وطني ولا أحلى في التاريخ، فالكل أهالي وطلبة ومعلمين وإدارات مدرسية ومجتمع محلي ومؤسسات تربوية وغير تربوية مبتهج وفي حركة دائبة كخلية النحل لأجل الحياة والتعلّم والتعليم والعطاء والإنتاجية والعمل والحيوية والتحديث والبناء، فكل عام وأبناؤنا الطلبة ومعلموهم وأهلوهم وجميع والوطن وقائد الوطن بألف خير بمناسبة بدء العام الدراسي الجديد.