بقلم : صابرين فرعون
يتمازج السرد في الرواية والسيرة الذاتية باعتبارهما جنسين أدبيين لامتثالهما لعنصر التخييل وتقنيات السرد الروائي وعجينة اللغة اللينة بصورها الجمالية التي تُخرج العمل الأدبي عن صفة الواقعية الذاتية لطور مهجن يُنفس عن الذاكرة الجمعية من خلال الأدب التوثيقي ونقل الأحداث المعاشة وتأريخها زمانياً ومكانياً وتحويرها بما تحمله من هوية صاحبها ..
تُشكل رواية السيرة الذاتية شكلاً للسهل الممتنع بما فيها من استنباط لأحداث مختزلة في أعماق الذاكرة من حياة صاحبها وسلاسة سردها بتقنية الاسترجاع الفني .. في رواية "السيرة القلقة" من طيرزبنا – النبعة ، من الجنوب إلى حزام البؤس البيروتي والثورة ، للروائي علي بيضون والتي حافظ في نقلها على الشروط الفنية للبناء اللغوي ، وتكثيف الكتابة على صعيد التذكر الاسترجاعي من خلال الإدراك والحضور العميق في قالبيّ الزمان والمكان في الماضي ، وإضفاء التأويلات للحالات الانفعالية الماضية وتأثيرها على الحاضر صفة السيرة الذاتية بتصريحٍ مباشر "أود القول أنه انطلاقاً من سيرتي القلقة ، أنقل تفاصيل ميدانية أرسم فيها لوحة النبعة القلقة لا بل الشهيدة خلال هذه الحرب المجرمة والتي أبين فيها بعض التفاصيل الإنسانية والصحية والحياتية والعسكرية والسياسية وكله انطلاقاً من تجربة معاشة." ومن جهة أخرى تتحدث عن العلاقات والصلات بالأشخاص بتعمق وتجسد المواقف والرؤى والنزعات الأيدلوجية للآخرين فتضفي عليها صفة التأريخ للسيرة الغيرية باستخدام ضمير الجماعة نا . "شاهدنا الكثير من صور الشهداء الملصقة على جدران الشوارع الذين استشهدوا دفاعاً عن المقاومة وعروبة لبنان ، وصراع بين هذا التنظيم وذاك على تبني اسم هذا الشهيد أو ذاك وأغلب هؤلاء الشهداء سقطوا لاعتبارات الاندفاع الوطني العاطفي دون معرفة كيفية استخدام السلاح أحياناً فكان الوضع العسكري في النبعة – سن الفيل التحتا وصولاً إلى حي ظهر الجمل غير منظم ولم يحقق ما كانت تصبو إليه الجماهير بل حقق بعض السرقات والمكاسب الآنية للبعض الذين جاؤوا إلى النبعة من غزة ومخيمات سوريا والأردن ليمارس البعض منهم التصرفات غير المقبولة وغير المسؤولة والتي لا تمت بصلة إلى الواقع الاجتماعي والثقافي لأهل النبعة."
"نعم توقفت أحلامنا الرومانسية وتسمرت أعيننا فيما يجري حولنا وبدلاً من الذهاب إلى مدارسنا وجامعاتنا نهاراً والكزدورة الليلية الرومانسية على خط سكة الحديد، ذهبنا نرسم أحلاماً جديدة من خطط الصمود والمواجهة دفاعاً عن أهلنا وفقرائنا ومستقبل سيرتنا الجماعية."
تلك المساحة التي تمتاز بخصوصيتها تخرج للعام في إطار الموضوعية ومقاومة البيروتيين ودورهم في الدفاع عن القضية الفلسطينية ، كون لبنان كدولة استقبلت أكبر عدد من الوافدين الفلسطينيين ، وكانت منطلقاً لشرارة الثورة بسبب تواجد القيادة والتدريبات العسكرية الفلسطينية في بيروت تحديداً ..
تبدأ الأحداث من بنت جبيل ثم "دارة الكرم" في القرية التي عُرفت باسم "طيرزبنا" والمتعارف عليها اليوم ب "الشهابية" ووصف بساطة العيش والطبيعة البيئية بنباتاتها وحيواناتها وذكريات الطفولة والصيد وتدين الجدة واعتزاز الجد بالزيّ الشعبي وتعلق الحفيد بهما ، تتوالى الأحداث حتى هجرة الجد حسن لفلسطين للعمل قصاباً ، وعودة الأب لقريته بعد تصاعد الأحداث في فلسطين ، حتى جاءت حرب ال "1967م" والتي كان لها أثرٌ كبير في استنهاض الهمم واستقبال بيروت وضواحيها للفلسطينيين .
يصف أ. بيضون العوامل الاجتماعية المصاحبة للظروف المعيشية من تهريب وتصفية حسابات عشائرية وفقر وفاقة وضعف البنية التحتية لقرية النبعة كونها تجمعاً جماهيرياً للوافدين هروباً من انقلاب الحزب السوري القومي 31.11.1961 ، ويوضح أسباب اشتداد المظاهرات والاشتباكات في الأعوام 1972 ، 1973 ، 1974 ، وانخراطه في العمل النضالي السياسي ويذكر منه أحداث السبت الأسود والمجازر التي أحدثها حزب الكتائب وتأريخاً للحرب الأهلية اللبنانية عام 1975..
اختزال الصور المشهدية أوجز لمضمون السيرة وترك بعضاً من الغموض على التفاصيل التي لم تُحكى والتي ترك نهايتها مفتوحة تشويقاً للجزء الثاني من الكتاب..
علي أحمد بيضون كاتب وصحفي لبناني ، حاصل على شهادتيّ دبلوم درسات معمقة ، صدر له : "السيرة القلقة" ، "ناس بيروت صيف 1982 إبان الغزو الصهيوني للبنان واحتلال بيروت ..