بقلم : صابرين فرعون
نوازع الذات تظهر في سياق التجربة الشعرية عند بسمة شيخو ، الشاعرة السورية التي صدرت لها مجموعتين شعريتين "عبثٌ مع الكلمات" و"شهقة ضوء" ، سعت فيهما للتفرد والتميز وبشكل عفوي ..
أتناول هنا ، المعزوفة اللغوية التي شهدت المزاوجة بين الذات والعام بوجدانية تنقلها الشاعرة لنا في مجموعتها الشعرية الثانية "شهقة ضوء" ..
في مقدمتها ، توضح بسمة شيخو أن الهم العام هو ما يسيطر على دواخلها ويستنطقها لتكتب الشعر ، لتضيء كل الشموع لوطنها الذي يتقاذفه عباب الموج بين موتٍ وحياة ، وهو التراب الذي لا ينحني للموت طوعاً ولا يقبل بغير أغنيات الصباح فجراً يقطب الجرح النازف ...
تأتي النصوص على شكل مشاهدَ حيةٍ ، أخيلتها مستنبطةٌ من الطبيعة ، تعتمد فيها بسمة شيخو على التدبيج من تورية وكناية ومقابلة مما يكسب الصياغة الشعرية إيقاعات موسيقية عميقة سواء في الاستعارات اللفظية "القرينة اللفظية" أو حتى الزخرف اللفظي البسيط ..
قصائد "شهقة ضوء" تطغى عليها العاطفة العميقة التي دمجت فيها الشاعرة كينونتها والتأملات في الصورة العامة ، كجزء من النسيج المجتمعي السوري ، فها هي تتحدث بلسان شريحة مقاوِمة في وطنها تفتخر وتعتز بهم في قصيدتها " كردي" :
قدر الكردي
أن يحمل قمةً من كردستان
ويكمل بها حياته
كثوب عجوزٍ كوجرية
تشتعل في قلبك نار النوروز
ويدور حولها الصوفيون حد الثمالة ...
ثم تتحدث بلسان حالها في قصيدة "بشر لا يشبهوننا" :
غادرتُ سحابتي
وأتيتُ
عاريةً من الأسلحة
الدم ينساب على أكتافي
ويملأُ أنفاسي
أبكي عندما تهللون
وأبكي عندما تحزنون ...
وبالتالي فإن عوالم التجربة الشعرية خيوطها متماسكة قوية ، تتأبط الأمل في كل مفردةٍ ، متصالحة ومندمجة مع العالم وليس عملية وصف أو محاكاة للواقع ...
برغم أن هناك صوتاً خطابياً واضحاً وظاهراً في القصائد الأخرى ، مثل : "ساحرة بالفطرة" ، "ببساطة" تخاطب الشاعرة غائباً "الأنا الآخر المُعمَمة" الذي يمثل الوعي التخيلي المقرون بالشعور سابراً عمقاً لبواطن العبارة الشعرية ودلالاتها ..
تقوم شيخو بالتوليف بين النقائض بغية صهر القول "الشعر" مع ذات الشاعرة لتأويل هوية النص وانفتاح الحيثيتين على بعضهما وبالتالي انحيازنا للمضمون الشعري أكثر من شكله الخطابي مع الأنا الجمعية وشكله الحواري مع الأنا الداخلية "صوت العقل" ، كما في نصيّ "سأغني" ، "هو" ..
اعتمدت الشاعرة أسلوب التشخيص personalize، والخلق المادي materialize كما في نص "آلاف الأشياء أنا" :
كنتُ كبكوبة صوفٍ في حضن جدةٍ ما
تداعبني السنانير
لتخلقني
وشاحاً يحلق مع الريح ...
وفي نص "ببساطة" :
كشجرةٍ
ملت وجوه العصافير المكررة
مع ذلك وهبتهم جسدها ...
كذلك يظهر نصها الحُداثي ثقافتها من خلال تأثرها بالقرآن الكريم ، كما في نص "حلم" :
حلمتُ البارحة
بسبع بقراتٍ سمان
يأكلهن قطيعٌ من العجاف ..
وأيضاً توظيفها للرمز الديني والميثولوجي في السياق الشعري ، مثل : ميدوزا ، فينوس ، يوسف وإخوته ...
ويأتي نص "شهقة ضوء" الذي جعلته عنوان المجموعة ، لتوضيح الرؤية الحسية للشاعرة من خلال ما يجسده من أشواك أدمت معاصم الحلم وقضّت مضجعه ...
بلا وزنٍ أو قافيةٍ تُرسي بسمة شيخو القصيدة النثرية لبر آمن لا تطاله التقليدية ..
بسمة شيخو شاعرة سورية ، تحمل شهادة ماجستير في الفنون الجميلة ، تعمل محاضرة في كلية الفنون الجميلة وتكتب في المجال التشكيلي ...