إضاءة على المجموعة الشعرية " همس الخطيئة " للشاعرة آمال هدازي
بقلم : صابرين فرعون
هناك دلالات وإرهاصات متوالية وفلسفة عميقة يشير لها عنوان هذه المجموعة الشعرية التي تفتتحها الهدازي بإهداء شعري لوالدتها .
أسميها صاحبة اللغة العذرية , فهي تختزل جمالية اللغة في شاعرية روحها التي تلف الكلمات وكأن القالب الشعري لديها قالب حلوى : تتمازج فيه الصور والمعاني , قالب مكوناته مضامين بمعايير جمالية ذاتية , تعجنه من حزن وشجن وفرح وأمل , فيمسك القارئ بقطعة واحدة من القالب "النص الشعري" يتذوقه على مهل ليفكك مكونات الجزء الواحد ويعيد بناءه بتؤدة متأملاً كل معنى وكل لفظ يشكل طبق التحلية الذي تقدمه .
يغلب الطابع الرومانسي الميتافيزيقي على شعرها , وترسم أبعاداً هندسية للكلمة من خلال صورها المتأملة والباحثة في الذات . تجمع بين الألفاظ البسيطة والجزلة , وتتدرج في ترتيب القصائد منظمة العوالم السردية وتسلسل المشاهد كي تحافظ على عنصر التشويق . تكرر بعض الألفاظ في قصائدها لتأكيد المعنى مثل : الصمت , نصل , بوح , و توظف الطبيعة خاصة الأشجار والأزهار كالتوتة والنارنج والدراق والعنب , اللوتس وشقائق النعمان في صورها مما يعكس جزء من شخصيتها في البحث عن الراحة والاستقرار . غالبية نصوص المجموعة تأخذ طابع الرسائل بين محبين أحدهما غائب والثاني هو المتكلم .
في فصل "عتبات الروح" : تعتمد أسلوب التقمص والاسترجاع الفني في سرديتها , حيث تتخذ شخصية الأم الغائبة مودعة طفلتها وزوجها . عاطفة الألم والبث والكمد والوجوم واضحة ومباشرة من خلال موضوع القصيدة والمشهد الحواري : الانفصال والوداع , وتراكيب مثل : وجع الغريب , خريف الربيع , تموت الكلمات .
هناك تأثر بلغة الحديث الشريف مثل الحديث " رفعت الأقلام وجفت الصحف " و نصها : جَفَّ الحبرُ , جَفَّ الْقَلمُ , ولم يَجِفَّ الأَلَم .
في حديثها عن حال الموجوع تراوح في استخدام ضمائر المتكلم والمخاطب الغائب لتعميق الرؤية السردية .
في " عندما يتكلم الصمت " تترك مفاتيح لغوية لقراءة خارطة الحرف بالشكل الذي رسمته من خلال ثلاثة سطور , خصائصها تميل إلى الومضة وهو الطابع الذي يغلب على شعر أ. هدازي . هذه الافتتاحية للقصيدة تحدثنا عن مصير الروح , ثم تعتمد أسلوب الهايكو داخل القصيدة المطولة , لتترك بصمة المبدعة داخل هذا المزيج الثقافي الموسع على قصيدة النثر ..
في قصيدة شيزوفرينيا تخاطب المشاعر وهي تصف عوالم الوحدة والضياع والعثرات والتشتت .
في قصيدة " فوضى الحواس" وهو أيضاً عنوان يدل على الثقافة العالية في ربط المسميات والتأثر بكاتبات عربيات كالروائية أحلام موستغانمي . لا فكرة مقيدة أو فضاء دال على حالة التشظي التي تسود اللحظة , ها هم الشعراء , مريدي وتلاميذ "باخوس , ديونيسيس" يقدمون قرابينهم " القصائد الرمزية " ليشعلوا وهج اللغة في أوج الابتهاج وسطوة الشعر , الطقوس الشعرية تتمرد على الصمت والموت .
اعتمدت أسلوب التشخيص بشكل رئيسي ووضعت بُعد ثقافي وتاريخي في المشهد الوصفي الذاتي لعوالم الشعر ومراحل عدم السيطرة وتقيد اللفظ بالتقليدي معتمدة نظرية كولردج حيث تأتي " قيمة العمل الفني من خلال اتحاد أجزائه من الداخل " النص الواحد , الجزء من كل " والقضاء على ثنائية اللفظ والمعنى " .
في قصيدة " رؤيا لا تعرف الشمس " صوت العاطفة يسيطر على النص , صوت الحب والغياب , صوت الشوق والوحدة ..
في قصيدة " فاروق " التي تحتمل في طيات العنوان عدة معاني , أقربها حالة الفزع التي تسكن الحرف , نثيرة قصيرة أوجزت الصورة اللفظية التي تختزل برمزيتها معنى الحزن .
في فصل "ذاكرة وحبات مطر" يكون النص الشعري أقرب للهدوء في طيات اللفظة الشعرية , فالمطر طقس المشاكسات الطفولية المرافقة للحظة الكتابة لدى الشاعرة ويظهر ذلك من خلال النسج العضوي للصورة : وبضع ابتسامات فجر.. تراقص غيمات من حرير.
قصيدة "ضبابيات" تبعث الأمل حيث تقلب صفحات الحزن , ويبدأ موسم زرع البياض على لغة طغى عليها الألم وتبدأ مرحلة جديدة من الهندسة المعمارية للغة حيث الومضة الشعرية تحتل باقي المجموعة الشعرية .
قصائد "معزوفة مطر" , "شوق" , "استعارة " , " لغيابك طعم النارنج " و "محاولة" توظف الطبيعة وخاصة المطر في تأسيس قاعدة للقوة والتغلب على الانكسار .
في "حديث الجرار" :قصيدة "هذيان" تُعلي صوت التحدي والتمرد على الصمت والهرب من المشاعر التي تتخطى المكتوب إلى المعنوي , والتي كانت في سيرتها الأولى شريكة الوحدة .
قصيدة "خاطرة الليل" وظفت اللغة النحوية واعتمدت أسلوب التشخيص لخدمة الصورة الشعرية : أحمل كيس صورٍ .. على ظهري وأمشي .. مرفوعة لا منصوبة .
نص "شذرات" يلخص ثمرة دروس الحياة التي يتعلمها الإنسان من خلال التجارب الحياتية .
قصيدة "غيابك رذيلة" سردية الأنا وأناه واختبارات القدر والذاكرة في النسيان والصفح ..
" لكل جنونه " , "حضرة" , " سواد" , "يشبهك البحر" , "صلاة" "همسة" و "فوضى" تعتمد الجمل الوجودية وتجمع بين التصوف واللوحة السوريالية حيث الغموض الدلالي .
في نص "خاطرة" يضيء شاعر القضية والحلم محمود درويش في قصيدته "هذا البحر لي" نصها ويبين نوع التملك الذي يسكن لفظة "لي" في غياهب الغياب .
في قصيدتيّ "تفرد" و "عبث" توجز فكرة الوجود ومراحل الولادة والحياة والموت وتضيف ذاتية النظرة على مرحلة الحياة من خلال علاقة الحب التي أيضاً تمر بالمراحل الثلاث .
في "بوح النارنج" تجمع وتقارن بين عاطفتيّ : الفرح والحزن , وكيف لهما أن تسكنا الإنسان في ذات الوقت حينما تفيض الذاكرة الصورية للعقل البشري بالتجارب .
قصيدة "سيزيف القصيدة" تصف عوالم الشاعرة حيث أن بروميثيوس هو صاحب الكلمة : المثقف ,الأديب , الشاعر الذي يثقله هم حرفه , ويتسلح به لفضح سلوكيات التمرد على الخير الفطري وكذلك ينير درب الآخرين .
"لاجئ" , "اغضب" و"عزاء" تحاكي الألم الذي يستصرخ البشرية بصور حسية بليغة .
قصيدة " انعتاق هزار" ارتبطت الصور البيانية في القصيدة بالمتخيل اللاشعوري والمكون البصري للمشهد العام .. هناك أسلوب خطابي ومحاورة داخلية للذات "مونولوغ" واعتماد على الاستعارات والرموز .
"حديث الكون" محاكاة لفكرة العلاقة الزوجية الفاترة حيث تستجدي الأنثى عاطفة رجلها , وهو همه كيف يديّر معيشة أهل بيته .. تطرح قضية موازنة المشاعر والعقلانية في حفظ العلاقات الإنسانية .
قصيدة "مخاض" تحتمل التأويل بحسب كيف يتناولها القارئ : فهي سياسية تحكي عن الأرض والوطن وكل التضحيات المقدمة , أما الطرح الآخر فيحتمل الحديث عن مشاعر الأنثى وقد غاب حبيبها وطوى صفحة العشق واختارت هي التحرر من ذلك القيد.
قصيدة "زمن كافر" قصيدة وطنية تلخص التضحيات والدماء الإنسانية المراقة في ظل التحرر من الاستعمار والاحتلال .
"على شرفة الروح" و" نزيف" و "فوق درج الريح" اعتمدت أسلوب الأمر دلالة على القوة والشموخ والسيطرة , آمرة الريح التي ترمز للخراب بالابتعاد لأنها لن تسمح لها باستيطان الروح , ثم استخدم الشاعرة أسلوب الخطاب مستنهضة الآخر المخاطب ليتأمل الخراب ويرتق نزيف جرحه ويعمر مساكن قلبه ويبدأ من جديد .
آمال هدازي شاعرة مغربية , أستاذة لغة فرنسية , صدر لها أربعة مجموعات شعرية : les ombres de lumière ,هذيل الغمام , فصول من عشق , همس الخطيئة . يُذكر أن المجموعات الثلاث الأخيرة صادرة عن دار فضاءات للنشر والتوزيع الأردن .