إضاءة على المجموعة الشعرية " لا كالوميض , لا كحطام الضوء "
للشاعر محمد الصابر
بقلم : صابرين فرعون
الشاعر المغربي محمد الصابر يعتمد السيمولوجيا بشعره , حيث يترك لقرائه وظيفة تفكيك وتركيب المدلولات اللغوية إلى ما هو غير لغوي .
القصيدة لديه وحدة متكاملة شكلاً ومضموناً مع العنوان العام للمجموعة الشعرية , تراكيبه برغم بساطتها عميقة , يوسع أبعاد لفظته من خلال الخيال الأدبي والصورة الشعرية , عباراته الشعرية إما قصيرة أو طويلة ,لا اعتدال في البيان اللغوي الذي يحملنا كقراء للتأمل داخل المشهد الشعري الكلي وكأننا أمام لوحة فنية ترك الفنان فيها الألوان مفاتيح لعبور عوالم الأدب , ووظف العلامات الحسية واللونية والحركية لإدراك الذات والإيحاء الذي بثه في الصورة الكلية .
عاطفته قوية , وفيّ لحرفه وله سطوته عليه وهو يعبر به ترانيم الإنسانية في مجتمعاتنا العربية التي تغوص بالسوداوية والوحشية والحروب الطاحنة ..
يشاهد القارئ هندسة إيقاعية للكلمة وتحرر من قيد اللغة لدى الصابر , حيث يراوح في التصريف الزمني للأفعال ويراوح بين ضمير المتكلم والغائب وأسلوب النداء والجمل الاسمية وإدخال قطعة نثرية على الشعر والبيان الصرفي الذي له مدلولاته الرمزية وجمع التراكيب المتناقضة " سنعجن الرعود والرياح " والأسلوب السردي وتقنية التشخيص والاستعارة وتكرار بعض المفردات ك " الضوء , العمى " كلها تحافظ على عنصر التشويق في المجموعة والتنويع الموسيقي النابع من المستويات الروحية التي يصفها من خلال غربة الوجع وانسلاخ الفرح منها وتجسيد ذاته وكينونته التي يرسم معالمها وتفاصيلها المتمردة والانعتاق من الماديات والمظاهر والممارسات السلوكية كالجهل وثقافة القتل والدمار , والجفاف والقحل اللغوي وإيمانه بالتغيير من خلال الشعر.
ثقافته عالية , يتعرض لمعاني رمزية من منطلق بحثه الميتافزيقي في سببية الأمور والأشياء والخاص والعام والفضاء الزماني والمكاني .. قصائده مبنية على العلوم الإنسانية من تاريخ وسياسة وفن وأدب , يطغى عليها البحث في الوجود والرومانسية من خلال صوره المستمدة من الطبيعة .. شاعر رومانسي كما هو وطني , ثائر لروحه كما أرضه وناسه من هنا تأتي لغته الثائرة , والدلالات الرمزية التي تدل على موازين القوة والضعف والافتراس الذي يتم بسبب الأفواه المكممة التي تخاف أن يطالها عقاب وبطش الأسياد , لتكون النتيجة أن تصير الأجساد والعقول المسيرة نحو الجهل الموت , وتصير خشباً تندلع فيه نيران تدفئ بيوت من يعيش على دماء الأبرياء .
الشاعر المغربي محمد الصابر , يعمل محامياً في الدار البيضاء , صدرت له عدة مجموعات شعرية : "زهرة البراري" , "الورشان" , "ولع بأرض 1 " , "ولع بأرض 2 " , "وحدي أخمش العتمة" , "الجبل ليس عقلانياً", و " لا كالوميض , لا كحطام الضوء " الصادر حديثاً عن دار فضاءات للنشر والتوزيع الأردن .