اخبار البلد
إضاءة على المجموعة القصصية " صخرة سيزيف " للروائية المغربية زهرة رميج
بقلمي : صابرين فرعون
تنوعت مواضيع المجموعة القصصية " صخرة سيزيف " , فقد تحدثت الكاتبة المغربية أ. زهرة رميج عن قضايا مجتمعية السبب الرئيسي فيها السلوك الفردي في منظومة المجتمع مثل : الخيانات الزوجية , الصداقة واحترام فكر الآخرين , المفارقات العقلية والاحتكام للعقل , الذكريات والحوادث , الحب والطلاق .
تبدأ الروائية أ. زهرة رميج مجموعتها القصصية بالقصة التي تحمل عنوان الكتاب " صخرة سيزيف " .. هناك أبعاد ميتافيزيقية في تقاطع حكايتين من الميثولوجيا الإغريقية في التحرر من الجمال "الشكلي " لأن الجمال الحقيقي هو الفكر الذي يزين الروح التي ترتقي بالعلم والأدب ..
أما قصة " الشهيد والفرعون " التي جاءت على ستة مشاهد بتسلسل فكري ولغة سلسة تتحدث عن الثورة ومصير كل من يطغى ويتجبر في قومه والتحرر من عبودية النفس الأمارة بالسوء وتوحد نزعة التحرر مع الأنا الصامتة ..
أهدت القصة لروحيّ شهيد من شهداء معتصمي ثورة 25 يناير في مصر "الشهيد المبتسم" "أحمد يسري البدري" ، والشهيد "محمد البوعزيزي" مفجر الثورة التونسية الذي أضرم النار في جسده رداً على مصادرة السلطات عربته التي هي مصدر رزقه وكسبه وتوفي بعد ثمانية عشر يوماً من إضرامه النار في جسده ..
في قصة " الصوت والصدى " تتحدث عن الأنانية في احتكار الصداقة .. اعتمدت الرمزية وظهرت ثقافتها العميقة من خلال تضمين حكمة لإسحاق عظيموف مفادها احتمال البشر برغم كل سوءاتهم فربما يأتي وقت نفتقد كل الإزعاج الذي سببوه بعد أن اعتدنا حضورهم .
في قصة " بين زليخا وميديا " يحمل العنوان مدخلاً للقارئ يتفكر فيه ,جمعت القاصة بين الحقائق والأساطير , بين الشر والخير , والمقارنة بين امرأة العزيز التي تراود نبي الله يوسف عن نفسها وتمثل المرأة التي تقتل المفاهيم الصحيحة للعلاقة الزوجية وميديا الساحرة الإغريقية امرأة آخيل التي تضحي من أجل حبيبها وهي المرأة التي توفر للرجل نزواته قبل حقوقها .. جاءت القصة على ثلاثة فصول ..
في الفصل الأول تتحدث عن الوقت الذي تدور عجلاته بسرعة البرق , عندما تلتقي صديقتان قديمتان صدفة في السوق لتبدأ الأحداث بالتسارع ودخول المشهد بقوة : مصائر النساء .. مكامن الفشل والنجاح .. واجبات المرأة بعد أن تدخل عش الزوجية والأخطاء التي تقع بها من إهمال أنوثتها وعلاقتها برجلها لصالح البيت والأولاد كسبب رئيسي في بحث الشريك عن أنثى توفر له ما فقده هو الآخر من دلال وعاطفة بعد أن صار أباً ..
اعتمدت الكاتبة المونولوغ لوصف الأثر النفسي في مخاطبة النفس ومحاسبتها واعتمدت الحوار المباشر بين طرفين .. كلتاهما أنثى لها فكرها وأيدلوجيتها ووجهة نظر مختلفة , هذا الحوار يدير الأحداث ويشدها للحبكة .. كذلك اعتمدت تقنية الاسترجاع الأدبي " الفلاش بالك " في استخدام الحوار المباشر وكذلك فعلت الكاتبة بإدخال المرآة كأداة تعكس معايير الجمال لتسلط الضوء على فكرة كيف تبدأ المرأة إهمال رعاية نفسها والإقدام على الروتين اليومي من عمل وأسرة لتنسى ملامح وجهها وجسدها, تلك التي بشكل وبآخر جزء من شخصيتها والكاريزما التي جذبت الشريك لها , وهي نفسها التي أدت لضمور عاطفة الزوج وهي نفسها التي تراها " سعاد " الشخصية ذات الطابع البيتوتي ليست بذي أهمية لأن الزواج تقوم فكرته على تكوين أسرة وأن الأولاد هم أساس استمرارية الزوجية وخالفتها صديقتها "نورة " الشخصية الرشيقة المتحررة من قيد الأسرة والزواج , تلك التي يجد في حضنها الرجل ملاذاً طيباً يعوض فتور علاقته بزوجته لتحصل النتيجة المتوقعة "الخيانة" .
في قصة "العشاء الأخير " تتحدث عن التأثير النفسي والنظرة التشاؤمية في وضع حدود للألم , عن القرارات التي تتكلل بالشك في كل خطواتها , عن القدرة والقوة ومقدار التحمل في إنضاج رأي العقل وتطبيقه بعيداً عن العاطفة وتنهيها بخاتمة تراجيدية حيث لا خيار خارج المرور في طريق الألم وإنهاء عذابات النفس ..
في قصة "الأرملة السوداء" تتحدث الكاتبة عن المفارقات الفكرية التي يقوم بها الأفراد بسبب العجز على إيجاد حلول بديلة وعدم الرضوخ إلى أن الرجل كما له حقوق عليه واجبات , استعانت بمثالين , كلاهما يركز على عدم التوافق في مؤهلات الزوجية مما يؤدي لحرمان أحد الطرفين للآخر من حقوقه الزوجية , ولكنها كرامة الرجل الشرقي تستيقظ في النهاية بعد أن يعايش تجربة صديقه الأعزب فلا يقبل الإهانة لامرأة .
في قصة " تواطؤ" تتحدث عن الذكريات التي تتواطأ مع المشاعر لتختلس كل لحظات الفرح التي احتضنها الزواج والندم على الاستعجال في الانفصال .
في قصة " طفل المزبلة " تذهب لفطرة الإنسان التي جبل عليها ونسيها مع تسارع نمط حياته وظروفه ألا وهي فطرة الخير والإنسانية التي جاء منها تميز هذا الكائن عن غيره وسبب تسميته .. وكانت رسالة الكاتبة " فكر بغيرك " فهاهو الطفل يلجأ لقلبه ويرسم كذباً أبيض لإيصال الطعام لصديقه الذي شاهده على التلفاز يبحث عن الطعام في قمامة المطاعم ..
في قصة "البرج " تتحدث عن حقيقة تسيطر على عالمنا العربي وهي الإيمان بالحظ والأبراج وإلغاء القدر الذي يحرك كل خيوط حيواتنا وإهدار الوقت في تصديق المنجمين .
في قصة "السر" : الأسرار تثقل قلب صاحبها , فتصل به درجة التمرد والتحدي ولكنه في النهاية يخضع لموازين إفشائه خاصة إن كان فيه حقائق وإدانة لأطراف معينة .. يحفظها داخل اللاوعي ولكن غريزة الخير تتفوق في النهاية لتتكشف الحقائق ..
في قصة " الاختبار" تتحدث عن الأمانة والصدق التي تجعل من صاحبها مستحقاً لاحترام الآخرين .
في قصة "الفندق " تسلط الضوء على قضية الوساطة والمحسوبية , تلك التي تقطع الوطن إلى طبقات وتعطي الحظ لمن يملك الوساطة على حساب المجتهد في الكد والبحث ..
في قصة " عيون تشي غيفارا " تجمع حروف اسمه الأول على شكل مشاهد في أماكن مختلفة وتدخل في عقل الشخصية وتوضح اختلاف وجهات النظر والثقافات المجتمعية المختلفة في رؤية أبطال الشعوب من خلال هذا الثوري الكوبي .. تتدخل الكاتبة في سرد تفاصيل الكتابة كالظروف التي تؤدي بالكاتب ليكتب واتخاذ موقف الانحياز وهو موقف السارد الثانوي "الصوت الآخر للكاتب " داخل العمل الأدبي , وأن الحياد من اختصاص السارد الرئيسي " صوت الكاتب نفسه ".. وتوضح فكر الكاتب من القضايا التي يحاكيها في سرده كما تخليد الأبطال وما يتركونه من أثر فيمن يتبنى مبادئ الحرية والتحرر التي نادوا بها .. هناك نقطة التقاء وتلاحم بين الساردين يكملان بها النص وهي لحظة التحرر من قيود المجتمع والكتابة ..
يتميز أسلوب القاصة أ. زهرة رميج بالجرأة في الطرح . كذلك تجد تنوع في كل تفاصيل ما تكتب من شخصيات وأماكن وأحداث وأفكار , تستخدم بعض المفردات التي توضح هويتها المغربية , مفردات واضحة .. تخاطب العقل البشري للتحكم بالعاطفة .
القاصة المغربية أ. زهرة رميج خريجة كلية الآداب والعلوم الإنسانية بفاس , عضو اتحاد كتاب المغرب , ترجمت بعض قصصها للغات مختلفة , أهم إصداراتها الأدبية : روايات : " أخاديد الأسوار " , "الناجون " , مجموعات قصصية مثل :" صخرة سيزيف " كلها صادرة عن دار فضاءات للنشر والتوزيع الأردن .