أخبار البلد -
خالد الجيوسي
يقترب الرئيس السوري بشار الأسد من عام أزمة بلاده الرابع وهاهو لا يزال يدخل مكتبه الرئاسي، يطالع صحفه الصادرة الورقية في جمهوريته، ويتصفحها إلكترونياً عبر جهازه المحمول "الآي باد”، ويضغط على أزرار جهاز التحكم بالتلفاز، متنقلاً بين قنواته الإعلامية الموالية أحياناً، والمغرضة المضللة أحياناً أخرى!
بالطبع لم ألتق الرئيس الأسد من قبل، ولا أعرف بالتحديد إذا ما كان يبدأ يومه بالطريقة التي وصفتها، لكنني على يقين أنه لا يزال يدخل إلى مكتبه الرئاسي حاملاً درجة المواطن الأول "رئيس″، وهو يرى فرحاً تساقط رجالات السياسة على اختلاف مناصبهم ودولهم قرفاً وضجراً من شخصه وملف بلاده الذي "قصر” أعمارهم، أتعبهم وأجهدهم، وزاد من عللهم في محاولات إبعاده بالإجبار عن طريق باب مكتبه المذكور.
يقول أحدهم مكرراً عبارة مألوفة تقول أن ثبات "الرئيس″ على مقعد مكتبه لم يأت بفضل ثباته وقوته وجهوده، وإنما ماهو إلا ثمار الدعم الروسي الإيراني، وتحرك قوات حزب الله العسكري على الأرض السورية، وقلب موازين القوى لصالح النظام السوري ورأسه، فحتى ذلك الحين كان نظام الأسد يتهاوى، ويشارف على السقوط!
عبارة قد تحمل في طياتها الكثير من الصحة، لكننا نعلم أن الظروف السياسية التي تحكم علاقات الدول تقوم على المصالح لا كرمى لون العيون، ومصالح روسيا العظمى كثيرة على الأرض السورية باعتبارها آخر معاقل تواجدها في الشرق الأوسط وقاعدة طرطوس البحرية أبرزها وأهمها، أما الجمهورية الإسلامية الإيرانية فهي إن انقطعت مصالحها بسورية الأسد بعيداً عن تلك المبطنة التي لا نعرفها، فهي لا تستطيع التخلي عنها كممر آمن لتهريب سلاحها لحركات المقاومة الإسلامية التي على رأسها حزب الله الذي بدوره استنفر جميع قواه وحركها نصرة ودفاعاً عن حليفه "الممانع″ الذي استطاع بتركيبة فريدة، أي النظام الممانع، الحفاظ على ولاء جيشه وتماسكه التي لولا وجودها لما راهن عليه حلفاؤه وتمسكوا به جيداً، وفي تاريخنا لمن يعترض كل العبر.
مصالح حلفاء الأسد ببقائه التي ذكرتها باتت مألوفة للجميع، وما تطرقي لها إلا من باب التأكيد على دور محوري أساسي مفصلي يقوم به الرئيس السوري سواء اتفقت أو اختلفت معه، لكن الجديد واللافت هذه الأيام، تحرك أعدائه المعارضين باتجاهه، وتمنيهم قبوله الجلوس على طاولة الحوار حرصاً على الدم السوري كما يقولون، التي لطالما رفضوها بحجة حلوله الأمنية القاسية ودمويته المفرطة أملاً في مساعدة دول غربية وعربية حشدت إعلامها ومولت بأموالها كل ما يمكن أن يساهم بإسقاطه.
تتبدل الأحوال إذاً، ويسارع بعض معارضي الأمس إلى أحضان النظام السوري، فهناك تسوية يرسم صورتها الروس والكل ممن راجع مخططاته الفاشلة معني أن يكون بداخلها يقابلها هجمة سعودية بتنسيق ودعم أمريكي تحاول تغيير معالمها بما تبقى لديها من أوراق يبدو أنها اقتصرت على العامل الاقتصادي والمكابرة في عدم خفض الإنتاج النفطي لامتصاص الفائض بالأسواق أملاً في إضعاف وإذلال الروس والإيرانيين المتضرر الأكبر من الخطوة السعودية، وإثنائهم عن مخططاتهم في المنطقة، فهناك من يصر ولا يزال يقتنع بإمكانية إسقاط النظام إن لم يكن عسكرياً عبر القوى المعارضة أو التدخل الخارجي، فبالإضرار بحلفائه الذين أثبتوا تعلقهم الشديد به، وإظهارهم لنزعات قيادية إقليمية وعالمية قد تطيح بزعامتهم وسيطرتهم الحالية.
عودوا إلى حديث وزير الخارجية السوري وليد المعلم الأخير، ولاحظوا الثقة على محيا وجهه رغم مرضه، الكل يعود إلى أحضان الدولة السورية الضامنة لوحدة أراضيها، لا بديل عنها في ظل تواصل انهمار الدم السوري وخبرة أركانها بغض عن النظر عن مسؤوليتها الأولى عنه في بداية الأحداث كما يقال.
السعودية قلقة لكنها مصرة على قلب المعادلة السورية وإن أسقطت نفسها وضيعت أمنها وما الأحداث الداخلية والحوادث الدموية الأخيرة في الأحساء مثلاً وارتباطها بخلايا داعش إلا دليل على ارتدادات تدخلاتها في سورية والعراق.
تركيا تواصل الضغط لتتمكن من إقامة منطقة عازلة تبدأ من عين العرب "كوباني” فالمسألة بالنسبة للعثماني الجديد رجب طيب أردوغان أصبحت مسألة تصفية حسابات وانتقام لشخصه من الرئيس الأسد، فالسعوديون متحمسون جداً لفكرته التي تحقق غاياتهم، والأمريكيون ضائعون بين بقاء الأسد وإسقاطه أمام تشتت المعارضة وتشرذمها في حالة غريبة لم تصب أي من المعارضات عبر التاريخ، والاستفادة منه في محاربة دولة البغدادي الإسلامية التي تبقى شكليات باعتقادهم إلى حين الاتفاق على القوة التي سوف تحاربها، وإن كانت تلك القوة سوف ترفع العلم السوري صاحب النجمتين الخضراوتين، وتترك الراية لسواعد الجيش العربي السوري صاحبها مهمة القضاء عليها، وإن كان يختلف الخبراء العسكريين على قدرته السريعة في القضاء عليها.
أعتقد أن النظام السوري في أبهى حلته، وأقوى حالاته فلهجة حديث المعلم التصعيدية تقودنا إلى استعداد مدروس وتوقعات مرحلية ومستقبلية يبنيها النظام وحلفاؤه، فالرجل يقول أنه طلب صواريخ S300 من حليفه الروسي، وهو يدرك جيداً حجم المخاطر التي تدور حولهم إن أقدمت الولايات المتحدة الأمريكية على استهداف الجيش العربي السوري، ويؤكد أن دولته لن تسمح لتركيا بفرض مناطق عازلة بإشارة ذات دلالات تعني أنهم ليسوا لوحدهم بمواجهتها إن أقدموا على فرضها.
كلامه يعزز الثقة، ويعيدنا لمرحلة القوة ومعايير فرض المعادلات وتغيير الحسابات، نعم فنحن نؤيد محور المقاومة والممانعة فقط أمام كل هذا الانبطاح العربي، فعلى الأقل هناك بارقة أمل تميزه عن غيره من دول "الاعتدال”، المنطقة مشتعلة، وسنقف بخانة من يكنون العداء للولايات المتحدة ومن خلفها إسرائيل ، وإن بأفعال ودرجات متفاوتة ، النظام السوري يقظ ، والحلفاء متشبثون ، نأمل أن يكون الوقت قد حان للحسم على كل الأصعدة، ابتسامة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين العريضة خلال استقباله للمعلم شخصياً فيها أكثر من رسالة مبطنة وظاهرة، المعلم يظهر دائماً بأوقات الإحباط التي تقودنا لطرق مسدودة.
السعودية كالحصان الصريع في المضمار الروسي، وتحاول في النزق الأخير كما قلنا اللعب بورقة النفط الناجحة عموماً دون حساب التبعات التي قد يلحقها القيصر بوتين وحلفائه من بعده بها، وما اعتذار وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل خلال زيارته مؤخراً لروسيا، وعدم عقده المؤتمر الصحفي مع نظيره سيرغي لافروف إلا أكبر دليل على الغضب الروسي من المملكة النفطية، فالمعلم عاد فرحاً إلى عاصمته دمشق بالتأكيد، مع كل هذه الأخبار "اللي بتتقل بالذهب” لقيادته ، فكما قال هو حرفياً ، علاقتنا مع الروس تحالف استراتيجي ، وهذه نتركها للعقلاء علهم يفقهوا أو يفهموا !