أخبار البلد - يبدأ وزير الخارجية السوري وليد المعلم زيارة هامة إلى روسيا خلال الأيام القادمة يلتقي خلالها مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ،
ويجري مباحثات مع نظيره الروسي سيرغي لافروف تتناول ملفات المنطقة،وعلى رأسها الملف السوري الذي مايزال يحظى بإهتمام العالم نظراً لخطورة ما يجري على الأرض السورية من إنتشار للإرهاب المتعدد الجنسيات المدعوم إقليمياً ، و دولياً ، إضافة للترابط ما بينه وبين ملفات أخرى مثل الملف النووي الايراني، الوضع في العراق، الصراع العربي- الإسرائيلي،ورسم الخرائط الجديدة، و تقاسم مناطق النفوذ.
زيارة المعلم تأتي في ضوء جملة متغيرات عديدة تجري بشكل متسارع في المنطقة، وتصريحات روسية-أمريكية حول الحل السياسي في سوريا، و احتمالات عقد مؤتمر في موسكو للحوار السوري-السوري تدعو إليه روسيا ضمن إطار جهودها للدفع بمسيرة الحل السياسي . ولكن كيف تقرأ دمشق مجمل هذه الجهود في هذا التوقيت ؟وهنا لا بد لي من أن أشير إلى مجموعة من النقاط الآتية:
أولاً- ماذا يجري على الأرض السورية:إن ما يجري في سوريا،وما يتعرض له شعبها منذ أكثر من ثلاث سنوات و نصف هو حرب عدوانية ، إجرامية تشنها قوى دولية ،وإقليمية،ومحلية من خلال أدوات إرهابية،و حرب عصابات ،و حرب إقتصادية، و إعلامية، ونفسية، وحصار شمل كل مناحي الحياة بهدف إسقاط سورية الدولة،و الشعب، والثقافة،والحضارة، والدور السياسي المستقل، و إن كل محاولات شخصنة القضية السورية ما هي إلا محاولات أمريكية-غربية-إقليمية لإخفاء الأهداف الحقيقية لهذا المشروع الإجرامي، وبالتالي فإن القول أن ما يجري هو حرب أهلية هو وصف غير صحيح إطلاقاً، ويدل على فهم قاصر، ذلك أن الإرهاب المتعدد الجنسيات استهدف كل السوريين، حيث استهدف الجوامع،والكنائس،والأديرة، والمدارس،والجامعات،والبنى التحتية،و التراث،والآثار،والأطفال والنساء والشيوخ والرجال و الشباب،وقدم الجيش السوري شهداء من كل الطوائف ، والإتنيات دفاعاً عن سورية التعددية،المدنية،الحضارية، التي ترفض الفاشية الجديدة التي تنتحل صفة الإسلام، كما ترفض العقيدة الوهابية المتخلفة التي تريد حكم الناس عبر داعش ، و النصرة و غيرها من التنظيمات التكفيرية التي تضم إرهابيين من أكثر من ثمانين جنسية في العالم ، و بالرغم من أننا لاننكر مشاركة جزء من السوريين في هذه الحرب على بلدهم تحت شعارات كاذبة، لكنهم قلة قليلة لم تجد دعماً في الداخل فطالبت بالتدخل الخارجي،ولو كان هناك ثورة حقيقية في سوريا لما كانت هذه الثورة بحاجة إلى عشرات الالآف من القتلة و المجرمين من كل أنحاء العالم.
ثانياً-العلاقة بين دمشق و موسكو:تدرك موسكو حقيقة ما يجري في سورية ،ولهذا رفعت ثلاثة فيتوات مع بكين لمنع استخدام مجلس الامن كجسر لتحقيق أهداف واشنطن العدوانية في تغييرالأنظمة السياسية بالقوة العسكرية، و تحت شعارات براقة-منافقة مثل :الديمقراطية، الحريات،حقوق الانسان، والغريب أن واشنطن تتحالف للوصول إلى ذلك مع أكثر الأنظمة قمعاً،و تخلفاً مثل:السعودية، و قطر. وكأنها تبتدع نظرية جديدة عنوانها:( الوهابية طريق إجباري للديمقراطية!) ولهذا نجد أن ما يواجهه الجيش السوري ارهابيين شيشان،وأوزبك، وكازاخ،وسعوديين،وعرب،وأوروبيين،وأمريكان، وليس مناضلين من أجل الحرية كما كذبت الدبلوماسية الغربية،ووسائل الاعلام المختلفة لسنوات....إن ماتواجهه سورية هو:داعش و جبهة النصرة،وجيش الاسلام، و الجبهة الاسلامية ، وغيرها ،وهي قوى فاشية جديدة تشبه إلى حد كبير قوى الفاشية الجديدة التي تستخدمها أمريكا و حلفاؤها في أوكرانيا،وبالتالي فإن الجبهة واحدة مابين دمشق ،و موسكو.
-إن العلاقة بين دمشق و موسكو،ليست كأي علاقة تربط روسيا مع أصدقاء لها في العالم،فموسكو مدينة لسورية بإيمانها الأرثوذكسي الذي يعتبر أحد أهم العناصر في هويتها القومية، وهي مدينة لها بما حققته من حضور إقليمي و دولي لأن هذا أمر لم يكن ممكناً في المدى المنظور لولا صمود سورية، أما دمشق فلا تستخدم علاقاتها مع موسكو لإبتزاز الغرب، و هي تميل وجدانياً ، وحضارياً إلى الروس، و الكلام هنا لوزير الخارجية السوري وليد المعلم في حديث مع صحيفة الأخبار اللبنانية نشر في السادس من نوفمبر الحالي. و الحقيقة أن ما يجمع البلدين أيضاً المصالح المشتركة،والإيمان بعالم متعدد الأقطاب ينهي هيمنة القطب الأمريكي الواحد،ويحترم ميثاق الأمم المتحدة، وقواعد القانون الدولي، وإنهاء شريعة الغاب التي تريد واشنطن الإستمرار بها في القضايا الدولية.
-وأشار الوزير المعلم في حديثه للأخبار اللبنانية إلى أنه مازح ذات مرة نظيره الروسي لافروف منتقداً إستخدام مصطلح (شركاؤنا الغربيون) حيث قال المعلم ل لافروف:( هؤلاء ليسوا شركاء روسيا بل هم أعداؤها)،وهو ما يعكس حجم ، وعمق العلاقة بين البلدين،فموسكو أعلنت منذ زمن بعيد أن دمشق مسألة أمن قومي روسي، وأن مواجهة الإرهاب الدولي مسؤولية الجميع، وتدرك أن عدم إنتصار سوريا سوف يعني نقل الإرهاب أوتوماتيكياً إلى أراضيها عبر تركيا،و جورجيا إلى القوقاز.
-تدرك دمشق و موسكو أهمية التعاون في مكافحة الإرهاب، ولكن التحالف الذي أطلقه الرئيس باراك أوباما لمواجهة داعش رأت فيه موسكو مجرد واجهة لتحقيق أهداف جيوسياسية، و انتقدته في أكثر من مناسبة مطالبة بتنسيق هذه الجهود عبر مجلس الأمن الدولي ن وضمن إطار إحترام سيادة الدول ،والتنسيق مع حكوماتها،أما دمشق فقد رأى وزير الخارجية السوري وليد المعلم أنها كانت أمام عدة خيارات:
الخيار الأول:الرفض،ولكن الرفض دون وجود قدرة عسكرية على ترجمة ذلك بنجاح،سيعطي المتطرفين في أمريكا،و حلفاء واشنطن الإقليميين الذريعة المناسبة لشن حرب أمريكية-أطلسية،و دمشق لن تمنحهم هذه الذريعة.
الخيار الثاني: كان (القبول السياسي) و هذا يتعارض مع إستراتيجية سورية السيادية- و السياسية.
الخيار الثالث:هو ما ذهبت إليه دمشق،و يقوم على (القبول الواقعي)،إذ أن دمشق تنطلق انه لامغامرة في مواجهة خاسرة، و لا إعتراف سياسي،وماحدث أن واشنطن أعلمت دمشق عبر المندوب السوري في الأمم المتحدة، وعبر بغداد، و موسكو من أن ضرباتهم موجهة حصرياً ضد داعش،و أنها لن تمس الجيش السوري،وما جرى الحديث عنه من صفقة بين دمشق وواشنطن ليس صحيحاً بالمطلق.
-لكن السؤال المنطقي هل تثق دمشق، و موسكو بالتعهدات الأمريكية ؟
يبدو واضحاً من تصريحات لافروف قبل أيام أمام خبراء سياسيين في موسكو أنه لاثقة بهذه التعهدات إذ قال:( من المحتمل ألا تكون العملية ضد داعش،بقدر ماهي تمهيد لعملية لتغيير النظام بعيداً عن الأضواء تحت غطاء مكافحة الإرهاب)، و أما دمشق فهي مدركة لذلك،وهي تستفيد مرحلياً،لكنها أبلغت موسكو بضرورة إستغلال هذا الوقت لتزويد سورية بأسلحة نوعية لمواجهة التحديات القادمة،فالرئيس أوباما و لأسباب داخلية يريد تجنب الحرب على سوريا،مكتفياً با لضربات الجوية لداعش،و لكنه سيتعرض لضغوط من الكونغرس،والحلفاء في المنطقة وهو ما قد يجبره على تغيير مواقفه،ولذلك فإن ملف التسليح سيكون حاضراً على طاولة المباحثات .
ثالثاً-المبادرة الروسية:ستشكل ما أصطلح على تسميته ب المبادرة الروسية محوراً أساسياً في مباحثات المعلم في موسكو في ضوء التقارير الإعلامية التي تحدثت عن رغبة روسية في عقد مؤتمر حوار سوري-سوري يمهد لحل سياسي يترافق ذلك مع جهود يقوم بها السيد ستيفان ديمستورا الموفد الأممي الخاص بسوريا،خاصة و أن موسكو إستقبلت مؤخرأً وجوهاً سورية معارضة،وناقشت معهم فكرة تشكيل قطب معارض واسع التمثيل يمكنه الجلوس مقابل وفد الدولة السورية في أي مؤتمر مزمع عقده في المستقبل،ولكن دمشق الرسمية لم تعلق على كل ما نشر في وسائل الإعلام بإنتظار وصول المعلم و الاطلاع على المقاربة الروسية، ومن الواضح أن موسكو إستبقت زيارة المعلم بتصريحات ركزت على أن الحكومة السورية شرعية ،و على واشنطن التعاطي معها،رافضة أي تدخل خارجي في الحوار المزمع بين السوريين،مع تحذيرات للمعارضين من أن لا توفر أنشطتهم بقصد أو عن غير قصد درعاً للإرهابيين.
-الأجواء في دمشق ما تزال تركز على المعركة مع الإرهابيين،كأولوية قصوى إذ أن الحديث عن حل سياسي قبل تنظيف البلاد من دنس الارهاب يبدو كمن يضع العربة قبل الحصان،كما أن السؤال في الشارع السوري :من يمثل هؤلاء المعارضين،ومن أعطاهم صفة تمثيل الشعب السوري: هل هي واشنطن،أم قطر ،أم السعودية،أم تركيا التي ماتزال تعلن أنها تريد إسقاط الدولة السورية؟ ذلك أن الكلمة النهائية هي للرأي العام السوري الذي لن يقبل بعد أن قدم تضحيات كبيرة بأن تتحول سوريا إلى لبنان آخر ، أو عراق آخر،بل يريد سورية دولة علمانية،ديمقراطية،حضارية، وقوية،وإذا كان هناك من سوريين يرون سورية أخرى فالكلمة للغالبية حسب ما يقول منظرو الديمقراطية الغربية.
كثير من السوريين يتطلعون إلى موسكو،و المباحثات القادمة،في ضوء تسارع الأحداث التي تحمل في طياتها أملاً لكل شعوب المنطقة التي عانت من دمار و خراب،وتدمير لم تعهده في تاريخها المعاصر.