اخبار البلد -
نحن على حافة نهاية نظام دولي. حيث إنه،
ومع توسع اضطرابات الحرب الأهلية في سوريا لتشمل العراق الآن، بالإضافة إلى غزو أوكرانيا،
يشارف نظام ما بعد الحرب الباردة على نهايته، وبدأنا نتحرك في اتجاه مرحلة ما بعد بعد
الحرب الباردة على صعيد السياسة العالمية، وهي المرحلة التي يحددها غياب نظام دولي
معين.
وفي الأنظمة الدولية السابقة، لعبت الدول
عادةً من خلال التقيد بالقواعد والشروط المحددة. وعندما لم تفعل ذلك، كانت تخشى من
العواقب المترتبة عن عدم فعلها ذلك. حيث إن يوغسلافيا، على سبيل المثال، وافقت على
التخلي عن مدينة تريستا لصالح إيطاليا خلال العشرينيات تحت ضغط قرار عصبة الأمم.
وحتى عندما ارتفعت حدة التحديات الرئيسة
في وجه النظام الأساسي، تحرك اللاعبون الدوليون البارزون لاحتواء الضرر. وتسلط كل من
الاتفاقيات البحرية بين القوى العظمى في العشرينيات، والجهود النشطة للائتلافات التي
قادتها الولايات المتحدة للتعامل مع إيران خلال ما يسمى بـ "حرب الناقلات” في الثمانينيات،
الضوء على قدرة هذه القوى على معالجة التحديات الرئيسة التي تواجه النظام الدولي.
وحتى حديثًا، تصدى نظام مرحلة ما بعد عام
1989 الدولي بطريقة ناجعة للتحديات التي شكلها نظام الرئيس العراقي السابق، صدام حسين،
خلال حرب الخليج الأولى، وكذلك سلوبودان ميلوسيفيتش في التسعينيات، وتنظيم القاعدة
بعد هجمات 11 سبتمبر.
ولكن مجموعة الأحداث الكارثية التي ظهرت
مؤخرًا تنذر اليوم بانهيار النظام العالمي المشار إليه في الأعلى. حيث إنه، وعندما
تكون الجهات الحكومية المسؤولة عن تطبيق هذا النظام غير قادرة، غير جاهزة، أو ليست
على استعداد للتعامل مع هذه الأزمات، سوف يؤدي هذا إلى تشجيع القوى "المعادية للنظام”
على التحرك ضد النظام العالمي.
وعلى الرغم من أن الأزمات في كل من إثيوبيا،
ومنشوريا، وإقليم السوديت، لم تشعل الحرب العالمية الثانية، إلا أنها كانت إشارة للمعتدين
في إيطاليا، وألمانيا، واليابان، والاتحاد السوفياتي، بأن المجتمع الدولي لن يستجيب
بقوة.
وأبرز مثال على هذا أيضًا قد يكون الحرب
الأهلية الإسبانية. حيث نشأت تلك الحرب عندما اصطدم المسلحون اليمينيون بالحكومة الجمهورية
في مدريد بهدف تغيير النظام. ورغم أن القوى الدولية حاولت دعم الأطراف المعتدلة والاصطفاف
إلى جانب الحكومة، إلا أن جهودها تلك فشلت.
وفي النهاية، بدأ اللاعبون "المعادون للنظام”
بتسريع وتيرة الحرب. حيث قاتل الشيوعيون بدعم من الاتحاد السوفياتي إلى جانب النظام،
في حين قاتل الفاشيون بدعم من إيطاليا وألمانيا إلى جانب الثوار. ولم يكن هذا الدعم
مقتصرًا على الدبلوماسية وشحنات الأسلحة و”المتطوعين”، بل شاركت تلك الأنظمة الديكتاتورية
في الحرب بشكل مباشر، من خلال إرسال وحدات عسكرية وقوات أجنبية قامت بتحديد نتيجة الحرب
في نهاية الأمر.
إذًا، كيف تعطي سوريا الإشارة في الوقت
الراهن إلى أن النظام العالمي الحالي يشرف على نهايته؟
تميزت حقبة الحرب الباردة بعدة عوامل رئيسة:
الولايات المتحدة كانت مستعدة لـ "إدارة” الأزمات بعيدًا عن إطار مقاييس الأمن الغربية
الرئيسة القائمة على المعاهدات، كما حدث في تايوان (1994)، والصومال (1992-1993)، والعراق
(باستمرار منذ عام 1990)، وإيران (باستمرار منذ عام 1979)، وميلوسيفيتش
(1994-1999)، ودول أخرى غيرها.
وبصفتها اللاعب الرئيس، بذلت الولايات المتحدة
مجهودًا ضئيلًا في دعم المعتدلين في سوريا، وهو ما أدى إلى سيطرة قوتين من القوات المعادية
للنظام الدولي، هما بقايا حكومة بشار الأسد الغارقة في جرائم الحرب والمدعومة من قبل
إيران وروسيا؛ وداعش، كابوس الشرق الأوسط لجيلين من الزمن، والحركة الإسلامية المتطرفة.
وسوريا اليوم تبدو مشابهة إلى حد كبير لإسبانيا
في عام 1936. حيث إن القوى السنية في قطر، وتركيا، والسعودية، والسلفيين غير الحكوميين،
يقفون خلف مختلف الفصائل السنية. وإيران (الشيعية)، وروسيا، تدعمان النظام، ويعمل حزب
الله المدعوم من إيران في سوريا بطريقة مماثلة لعمل القوات الألمانية والإيطالية في
إسبانيا خلال الحرب الأهلية هناك. وأيضًا، ومع غياب قيادة غربية لتشكيل نتيجة الصراع،
يتدفق "المتطوعون” من الغرب للمشاركة في حرب سوريا.
الحرب الأهلية الإسبانية كانت قد أنذرت
بحدوث حرب العالمية الثانية التي أنهت نظام عصبة الأمم فعليًا. وقام الألمان والإيطاليون،
الذين دعموا الجانب المنتصر، بعدها بالاستمرار في تحدي النظام الدولي، محرضين من قبل
الطرف الرئيس الآخر الذي شارك في الحرب الأهلية، وهو الاتحاد السوفياتي (بالإضافة إلى
اليابان في المحيط الهادي)، وهو ما أنهى ذلك النظام تمامًا.
وللحرب الأهلية السورية اليوم نفس التأثير
على نظام ما بعد الحرب الباردة. إذا ما فشلت الولايات المتحدة وحلفاؤها في إدارة الأزمة
السورية، التي امتدت الآن إلى العراق، فإن الجهات الفاعلة المنتصرة و”المعادية للنظام
الدولي” من المسرح السوري، مثل روسيا وإيران وتنظيم القاعدة وداعش، سوف تكمل طريقها
للقضاء على نظام ما بعد-بعد-الحرب الباردة.
إذا لم نكن حازمين وأذكياء، فإن عالمًا
مشابهًا لعالم أواخر الثلاثينيات قد يكون في انتظارنا