على جدول أعمال البرلمان قضايا تمس حياة المواطن اليومية، موازنة وضريبة دخل، وأخرى سياسية، بلديات، لامركزية، أحزاب، وانتخاب، وكلها تساهم في حال إقرارها بنقلة إصلاحية حقيقية، تؤسس لقفزة عميقة نحو دولة مدنية حضارية، تقدمية، وأردن ديمقراطي.
بدون مجاملات، وبدون خوف من شكاوى مجهول، فإن صورة مجلس النواب في الشارع ليست في أحسن حالاتها، وارتدادات ما يجري أحيانا تحت القبة أو في الغرف المغلقة، أو ما يتسرب عن قضايا وأحداث، ساهمت في زعزعة الصورة، إن لم تكن قد زعزعتها وانقضى الأمر، وهذا يتطلب جهدا نوعيا لإعادة ما فًقد من هيبة المجلس.
شخصيا، لا أميل لتهشيم المؤسسة التشريعية نقدا وتشريحا، ولا أرى أن ذاك يعود بفائدة علينا كدولة، ولا أعتقد أن ارتفاع منسوب النقد للبرلمان ولمؤسسات المجتمع المدني، أحزابا ونقابات وجمعيات وغيرها، يساهم قيد أنملة في السير باتجاه دولة القانون، بيد أن ذاك لا يعفينا من مطالبة أفراد المؤسسة التشريعية، بالارتقاء بمنسوب ثقة الشارع، والرأي العام.
الدورة البرلمانية المقبلة فرصة حقيقية لتقديم أداء رقابي وتشريعي مختلف، وفرصة لإعادة ثقة الناس بالبرلمان والمؤسسة التشريعية، وهذا لا يمكن أن يحصل إلا من خلال إقرار قوانين تتناسب مع رؤية الناس، وتلبي حاجاتهم، وتعمق قيم المواطنة، وتؤسس لانطلاقة حقيقية باتجاه إطلاق حرية التعبير والرأي والرأي الآخر، وتعزز حضور الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني في الحياة العامة، تمنع تغول السلطة التنفيذية على جيب المواطن وحياته الاقتصادية والوقوف بوجه البطالة وارتفاع الأسعار، فهل يمكنكم ذلك؟!
بالتزامن مع كل ذلك، فإن الدورة المقبلة بحاجة لأن يعيد النواب التفكير مليا وجديا بسلوكيات بعض أفراد المؤسسة التشريعية، إذ لا يستقيم أن نبقى نشاهد جلسات فاقدة للنصاب، ورئيسا ينادي كل دقيقة على النواب للدخول للقبة لإكمال جلسة تشريعية، ولا يستقيم أن تبقى المشاحنات النيابية على حالها، وأن تبقى إرادة نواب مرهونة برغبات حكومية، وما تريد، وما لا تريد، أو أن نشاهد عصيا توضع في طريق ائتلافات نيابية ناجحة لإفشال تجربتها، والانقضاض على أفكارها.
المهم أن يخرج النواب من حالة التبعثر وأن يذهبوا باتجاه تشكيل حواضن كتل، تخرج عنها فيما بعد أفكار إصلاحية، تنعكس رؤى وبرامج عمل تحت القبة، وأن نشاهد سجالا تشريعيا ورقابيا حقيقيا، وليس سجالا تشريعيا لتحقيق رغبات وتنفيس عن "فشة غل" أو تصفية حسابات، مع هذا الطرف أو ذاك، بلا مناكفات ولا اصطفافات للحصول على مزايا خدمية آنية، لا تساهم في الارتقاء بالمجتمع بشكل عام، وهذا يتطلب مراجعة سلوك عامة، والترفع عن قضايا تخدش المؤسسة التشريعية.
عموما هي دورة برلمانية على المحك، من خلالها يمكن للنواب تقديم صورة مغايرة عن مجلسهم، وأن يخرجوا مما رافق تشكيل كتل المجلس من كلام وحديث نيابي، في السر والعلن وفي الممرات والغرف المغلقة، كلام كبير قيل ويقال وصل لحد اتهامات "المال السياسي"، وفيه خدش للمؤسسة التشريعية.
كل ذاك بحاجة للملمة وترتيب أوراق، ومدونة سلوك، وهذا يتطلب إعادة النظر في قرار النواب السابق برفض مدونة سلوك، تقدمت بها لجنة النظام والسلوك النيابية، وتفعيلا للنظام الداخلي، بما يحفظ هيبة المجلس.
فليس كل من ينتقد اداء النواب وسلوكياتهم يتوجب إقامة الحد عليه، وليس كل من يدعو لإعادة الهيبة للمؤسسة التشريعية، راغبا في حلها، وليس كل من يطالب بأداء تشريعي ورقابي أفضل، ينفذ أجندات معينة.
دعوكم من كل ذاك واذهبوا باتجاه تشريعكم ورقابتكم، التي تمنحكم قوة وحضورا، ورضا الشارع والرأي العام. إن أبدعتم في التشريع والرقابة، لا يمكن أن يطولكم نقد، فالشمس لا تغطى بغربال، كما أن أية ممارسة سلبية لكم لا تغطى بغربال أيضا.