أخبار البلد
ما یحصل في سوریة الیوم ھو حلقة جدیدة من سلسلة السیاسات السریة والعلنیة التي إنتھجھا الغرب وحلفاؤه في
السنوات الثلاث الأخیرة، ومحاولتھم التخلص من الرئیس الأسد وإشغال إیران عن دورھا الكبیر الذي تمارسھ الآن في
دعم المقاومة ضد الكیان الإسرائیلي، والتأثیر على دعمھا لمنظمات المقاومة، مثل سوریة وحزب الله والآن یتم إستھداف
العراق وتعطیل دوره لمنعھ من أن یكون أحد دور ھذا المحور، ویساھم أردوغان الیوم في المخطط الأخیر لخنق سوریة عبر إحتضانھ لعشرات الآلاف من المقاتلین السلفیین من دول عربیة وأسیویة وأوروبیة وفتح معسكرات تدریب لھم وتسلیحھم وفتح الحدود السوریة لھذه المجموعات الإرھابیة لتنفیذ اخطر دور تخریب إرھابي تواجھھ سوریة في تاریخھا السیاسي الحدیث، كل ھذا بدوره سیجعل الصراع بین اثنین من عمالقة الشرق الأوسط "تركیا وإیران". في المقابل رأى العالم كلھ كیف تتعامل تركیا مع أكراد سوریة، وما موقفھا من مدینة كوباني الكردیة الملتصقة بحدودھا إلا مثال واضح على ھذا التعامل، فھذه المدینة محاصرة منذ أكثر من ثلاثة أسابیع من ثلاث جھات من قبل تنظیم "داعش"، وتتعرض یومیاً لقصف مدفعي وصاروخي عنیف، وقد ذكرت بعض التقاریر أن "داعش" استخدمت قذائف تحتوي على مواد سامة في قصف المدینة، بینما الجیش التركي یقف متفرجاً على بعد أمتار على ھذه الكارثة الإنسانیة، یبدو أن تركیا لم
تتفرج على القصف العنیف التي تتعرض لھ مدینة كوباني فحسب ، بل دخلت في المعركة مباشرة الى جانب "داعش" عبر
إغلاق الجیش التركي للمعبر الشمالي الذي یربط المدینة بالأراضي التركیة، وبذلك أصبحت المدینة محاصرة من جمیع
الجھات، كما منع الجیش التركي دخول أیة مساعدات عسكریة الى المدینة، ومنع أیضاً دخول شباب من أكراد تركیا جاوؤا
لمساعدة المقاتلین الأكراد في سوریة.
یبدو أن إسقاط النظام في سوریة مازال یشكل ھدفاً رئیسیاً لدى القیادة التركیة، ومن أجل تحقیق ھذا الھدف، سعت الى إقامة
منطقة عازلة داخل الأراضي السوریة، ولكن إقامة مثل ھذه المنطقة لا تأتي من فراغ، ولابد من وجود سبب مقنع لفرضھا،
فكان ھذا السبب، من وجھة نظرھا وقوع مجزرة ضد الأكراد ترتكبھا "داعش"، عندھا فقط یمكن أن تصبح فكرة إقامة مثل
ھذه المنطقة مقبولة، وبھذا یمكن فھم الموقف المتذبذب والمتراخي لتركیا إزاء ما یجري في كوباني، وقد رأینا كیف حاولت
السلطات التركیة في بدایة الھجوم على كوباني منع اللاجئین الأكراد الفارین من المدینة من دخول أراضیھا، لیكونوا في
حال سقوط كوباني فریسة ل"داعش" ، عندھا ستكون قد ضربت عصفورین بحجر واحد، الأول القضاء على حكم الإدارة
الذاتیة للأكراد في المناطق الكردیة السوریة والتي كانت تقلق تركیا كثیراً، والثاني إقناع بعض حلفاء تركیا من غیر
المقتنعین بإقامة منطقة عازلة في الشمال السوري.
متابعة تطورات الأحداث في المنطقة الآن، یكشف عن تنشیط وتحریك المشروع التآمري للولایات المتحدة وحلفاؤھا على
سوریة والعراق وحزب الله في منطقة الشرق الأوسط دعماً لأمن وإستقرار الكیان الصھیوني وخدمة لمصالح الدول الحلیفة
لھذا المشروع في المنطقة، فسوریة والعراق وحزب الله تواجھ عملیات إرھابیة یومیة نتاج ھذا المشروع ولم یبق إلا أن
یتسع ھذا المشروع لیشمل إیران، ولكن السؤال الذي یفرض نفسھ ھنا ھو، ھل سیتحقق ھذا المشروع كما یحلم الغرب
وأدواتھ؟ الجواب ھو أن الغرب سیكتشف إن إیران لن تنتظر ھذا الدور لیتحقق فوق أرضھا وستقوم بقلب بقیة ما تضمھ
طاولة التآمر الخطیر على رؤوس المخططین والمنفذین لأخطر مشروع تقسیمي إرھابي تشھده المنطقة منذ الحرب العالمیة
الأولى.
وفي سیاق متصل یخطوا العالم خطوات باتجاه حرب عالمیة ثالثة، إذ یوجد الكثیر من الإستفزازات والأزمات وإرتفاع
وتیرة التوتر بین بعض الدول، فھنالك إستعدادات واسعة من قبل دول إقلیمیة ودولیة " تركیا"، وخاصة فیما یتعلق بتسویق
فكرة إقامة منطقة عازلة في الشمال السوري ودخول القوات البریة التركیة الى سوریة، ومن ھذا المنطلق یجب على تركیا
توخي الحذر وعدم الإنجرار وراء الإستفزازات، وأن تكون حریصة في جمیع تصرفاتھا حیال الأزمة السوریة، لأن الأمر
قد یتحول إلى حرب عالمیة ثالثة بالفعل، وھذا الأمر سیؤدي إلى فتح طریق أمام إیران للتدخل بسبب وجود إتفاقیات
مشتركة بین الطرفین، وبالتالي شن حرب على تركیا، وذلك بالتحالف مع حزب الله والعراق أیضاً، لذلك جاء الرد الواضح
من طھران، حین حّذر مساعد وزیر الخارجیة الإیراني حسین أمیر عبد اللھیان الحكومة التركیة من القیام بأي عمل
عسكري في سوریة، مؤكداً رفض بلاده "الإطاحة بالحكومة السوریة ومحور المقاومة عبر الإرھابیین"، ومن جھة أخرى,
أكد وزیر الخارجیة الإیراني علي أكبر صالحي، أن إیران والصین وروسیا لن تسمح مطلقاً بتدّخل غربي في سوریة
للإطاحة بالرئیس الأسد بالقوة، وبالمقابل فإن حلف الناتو یمكن لھ أن یتدخل في ھذه الحرب، كون تركیا عضواً فیھ، بمعنى
إن ھذه الحرب لن تكون محصورة داخل الحدود السوریة فحسب، حتى وأنھا سوف تعتبر فرصة لشن ھجوم على إیران،
لضرب مواقعھا النوویة، فھذا یعني وجود تھدید كبیر لمصالح روسیا في المنطقة الأمر الذي سیؤدي إلى تدخل روسیا في
ھذه المعركة، وتقوم الولایات المتحدة الأمریكیة بالتعاون مع حلف الناتو بالتخطیط لھذه السیناریوھات، من خلال جر تركیا
في ھذا النفق من أجل تحقیق أھدافھا ومشروعھا في الشرق الأوسط.
في إطار ذلك یمكنني القول إن منطقة الشرق الأوسط كلھا تقف أمام عملیة تغییر جذریة وقد لا یسلم من جرائھا احد، أنظمة
ستسقط وأخرى ستنشأ، وحدود ستتغیر، وما زلنا في بدایة الطریق، أو بالقرب من المحطة الأولى، ولا احد یعرف أین
وكیف ستكون المحطة الأخیرة، وسقوط "عین العرب" یعني إنفجار القنبلة الكردیة في وجھ الرئیس أردوغان وعودة جیشھ
الى المواجھات الدمویة مجدداً.
وأختم مقالي بالقول إنھ على تركیا الیوم، أن تعید قطار السیاسة التركیة الى سكتھ الأصلیة ، وھي سكة الدولة الإقلیمیة
الكبیرة والمسؤولة، لیس على أمن ومصلحة تركیا فقط، بل مسؤولة على أمن ومصلحة الإقلیم برمتھ، فسیاسة التسلح
للمجموعات التكفیریة والعزف على الوتر الطائفي وفتح الحدود أمام الجھادیین، لتحقیق أھداف سیاسیة ، ھي سیاسة عقیمة
أثبتت التجربة فشلھا، وقد جربتھا بعض الدول من قبل، وإرتدت علیھا ودفعت بسبب ذلك ثمن باھظ من أمنھا وإستقرارھا ،
وبإختصار شدید ، إنھ دون إعادة سوریة الى الأمن والإستقرار لن تنعم تركیا والمنطقة بأكملھا بالسلام والأمن، وإنطلاقاً من
كل ذلك، یجب إذاً، على تركیا إعادة النظرة في الرھانات السیاسیة الخاطئة قبل فوات الأوان.