أخبار البلد -
انطلقت، مساء يوم السبت الموافق 20/9/2014 بمدرج الشريف الإدريسي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط المملكة المغربية ندوة دولية بعنوان: "دور المؤسسات التربوية والثقافية في تعزيز منظومة القيم"وتناقش الندوة، التي ينظمها فريق البحث "الفكر الإسلامي وفن الخطابة وقضايا البيئة والمجتمع" بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط وذلك بشراكة مع المنتدى العالمي للوسطية (عمان)، ومركز "المهدي بنعبود للبحوث والدراسات والإعلام"، و"المعهد العالمي للفكر الإسلامي" (واشنطن-فرع المغرب، على مدى يومين، خمسة محاور :
- "التربية على القيم: مفاهيم تأسيسية"
- "ورشات عمل تربوية لتعزيز منظومة القيم بالمؤسسات التعليمية والثقافية والإعلامية"
- "دور المؤسسات التربوية في تعزيز منظومة القيم"
- "مؤسسة التعليم العالي وآثارها في منظومة القيم"
- "المؤسسات الثقافية وآثارها في تعزيز منظومة القيم".
حيث شارك الامين العام للمنتدى المهندس مروان الفاعوري بفعاليات هذه الندوة بكلمته التي القاها خلال فعاليات الندوة حيثاعتبر أن زحف العولمة وتراجع دور الأسرة يهددان بانهيار منظومة القيم الإسلامية الوسطية.
ولفت إلى تعاظم محاولات تشويه النموذج الإسلامي القائم على قيم العدل والحوار والتعايش، مؤكدا أن المنتدى يسعى لترسيخ مفاهيم الوسطية الإسلامية بين أبناء الأمة الإسلامية ومؤسساتها، وتبليغ رسالة الإسلام الإنسانية والتعريف بها بين الأمم والشعوب.
وفيما يلي نص كلمته:
ِبسم الله الرحمن الرحيم
السادة الحضور:
أحييكم بتحية الإسلام فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
انه ليسرني ان أقف بين أيديكم في هذا الصباح الطيب في بلدي الثاني المغرب بلد المرابطين على الثغور لأتحدث عن أهمية دور المؤسسات التربوي والثقافية في تعزيز منظومة القيم
أيتها السيدات أيها السادة:
ان من المعروف أن التربية نشاط أو عملية اجتماعية هادفة ، وأنها تستمد مادتها من المجتمع الذي توجد فيه ؛ إذ إنها رهينة المجتمع بكل ما فيه ومن فيه من عوامل ومؤثرات وقوى وأفراد ، وأنها تستمر مع الإنسان منذ أن يولد وحتى يموت ؛ لذلك فقد كان من أهم وظائفها إعداد الإنسان للحياة ، والعمل على تحقيق تفاعله وتكيفه المطلوب مع مجتمعه الذي يعيش فيه فيؤثر فيه ويتأثر به .
ولأن هذا التأثر والتأثير لا يُمكن أن يحصل إلا من خلال المؤسسات الاجتماعية والتربوية المتنوعة التي تتولى مهمة تنظيم علاقة الإنسان بغيره ، وتعمل على تحقيق انسجامه المطلوب مع ما يُحيط به من كائناتٍ ومكونات ؛ فإن العملية التربوية مستمرة مع الإنسان منذ أن يولد وحتى يموت ؛ وتتم من خلال المؤسسات التربوية والاجتماعية التي تتولى مهمة تربية الإنسان ، وتكيفه مع مجتمعه ، وتنمية وعيه الإيجابي ، وإعداده للحياة فيه . وتُعد هذه المؤسسات التربوية بمثابة الأوساط أو التنظيمات التي تسعى المجتمعات لإيجادها تبعاً لظروف المكان والزمان ، حتى تنقُل من خلالها ثقافاتها ، وتطور حضاراتها ، وتُحقق أهدافها وغاياتها التربوية .
وهنا تجدر الإشارة إلى أن المؤسسات التربوية لا تكون على نمطٍ واحدٍ ، أو كيفيةٍ واحدةٍ طول حياة الإنسان، إذ إنها متعددة الأشكال ، مختلفة الأنماط ، وتختلف باختلاف مراحل عمر الإنسان وظروف مجتمعه، وبيئته المكانية والزمانية والمعيشية ، وما فيها من عوامل وقوى. كما تختلف باختلاف نوعية النشاط التربوي الذي تتم ممارسته فيها .
وهنا يمكن تعَريف المؤسسات التربوية بأنها تلك البيئات أو الأوساط التي تُساعد الإنسان على النمو الشامل لمختلف جوانب شخصيته ، والتفاعل مع من حوله من الكائنات ، والتكيف مع من ما حوله من مكونات.
ويأتي من أبرز وأهم هذه المؤسسات التربوية في المجتمع ( الأسرة والمدرسة والجامعة وجماعة الرفاق إلى جانب المسجد ووسائل الإعلام والأندية والمنتديات والأحزاب الوطنية وأماكن العمل ) ونحوها من المؤسسات المختلفة التي تؤثر على تربية الإنسان سواءً كان ذلك التأثير بطريقةٍ مُباشرةٍ أو غير مباشرة .
ومعنى هذا أن تربية الإنسان لا يمكن أن تتم إلا من خلال بعض الوسائط الاجتماعية المختلفة . ونظراً لكثرة هذه المؤسسات وتنوعها واختلاف أشكالها وأنماطها ؛ فقد عَرَف المجتمع المسلم عبر تاريخه الطويل عدداً من هذه المؤسسات الاجتماعية التربوية والتعليمية المختلفة التي كانت نتاجاً طبيعياً للعديد من المطالب والتحديات والتغيرات الحضارية التي طرأت بين حينٍ وآخر على العالم الإسلامي . بل إن كل مؤسسة من المؤسسات التربوية التي عُرفت في الإسلام إنما نشأت استجابةً لحاجةٍ وظروفٍ اجتماعيةٍ معينة .
ايها الاخوة الحضور:
ان الاهتمام بالقيم يُعَد قضيَّة العصْر، وخاصَّة في ظلِّ ما نَلحَظه من تشوُّهات السُّلوك الإنساني المعاصر، وغَلَبة الأنانيَّة والفردية والمادية، واضمحلال القيم الرُّوحية والأخلاقيَّة.
و ان الآثار السلبية للتوجهات السلوكية الوافدة عن طريق وسائل الاعلام وغيره تقع اضرارها على عامة المجتمع، وهي تهدِّد قيمه الرفيعة، ومبادئه النبيلة التي يتزيَّن بها جرَّاء اتباعه لدين الحق، وواقعيًّا فقد أحدثت التوجُّهات السلوكيات الوافدة آثارها السلبية على المجتمع في مختلف المناحي العقدية، والفكرية، والتشريعية، والثقافية، والأخلاقية، والسلوكية، وغيرها من المجالات، ووقع حينها كثير من التغريب الذي طالما نشده أعداؤها، وسِيق الجميع سوقًا إلى الجاهلية التي لا يجنَى منها إلا الهلاك في الدنيا والآخرة.
لذا وجب أن نَنشغل بالاهتمام بالقضيَّة القيمية والأخلاقية جميعًا كمربِّين (الأسرة، والمدرسة، والجامعة والمسجد، ووسائل الاعلام بانواعها المختلفة ، والندية والمنتديات والاحزاب الوطنية ، والمجتمع، والمؤسسات العمومية، والخاصَّة)، كلٌّ في مجال اختصاصه، وبشراكة وتَواصُل وتَعاوُن حين يستدعي الأمر ذلك؛ لأنَّها مهمة صعبة تتحدَّى كلَّ تَربويٍّ وأب وأم، وبخاصة في ظلِّ ما يتعرَّض له الناشئةُ في عصر الانفتاح والعولمة.
إنَّ تعليمَ القيم الفاضلة، والتي هي أحكام وقواعد وأعراف ربانيَّة المصدر أصلاً مُتناسِقة وواقعيَّة تُوافِق طبيعة الإنسان، بل واقع الكون والحياة شاملة، تتوجَّه إلى تنمية الفرد في عقله وبَدَنه ورُوحه ونفسيَّته، والتَّربية فيها تكون بالتَّدرج والاستمرار والثَّبات، والتَّدرُّج يكون حسَب المرحلة العمريَّة وحسَب تقبُّل تلك التربية، والرُّجوعُ إلى المرجعيَّة الدينيَّة للاهتمام بالتَّربية القيمية أمرٌ حضَّتْ عليه المرجعيَّةُ الدينية قرآنًا وسُنَّة كلها، وحتى السياسية والقانونية والبيداغوجية عالميًّا؛ ففي القرآن الكريم ذكَر الله تعالى في مُحكَم كتابه الكريم: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا﴾ [الإسراء: 9]وورد في السُّنة النبويَّة المُطهَّرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إنما بُعِثتُ لأُتمِّم مكارمَ الأخلاق ) .
فتعليم القِيَم فريضة ينبغي الاهتمام بها، ومسؤولية يتحمَّلها الجميعُ دون استثناء، فهي تُعتبَر أكبرَ تَحدٍّ نُواجِهه لمدى قُدْرتنا على تربية أطفالنا، ليكونوا أفرادًا صالحين في ذواتهم وأفكار ومشاعرهم، ووجوب الحِفاظ على النَّشء من الذَّوبان في ما يُسمَّى بالعولمة والانسلاخ من الانتماء إلى كِيانهم ومجتمعهم.
وان البيداغوجيا شجرة تَنْبُت في أرض القِيَم، وبدون قيم وأخلاق لا يُثمِر التعليمُ ولا التربيةُ، ولا بدَّ مِن دمْج القِيَم في الفرد بكلِّ مكوِّناته، مع وجوب التفاعل التام بين الأفراد والمجتمع، ولا بد فيها من التخطيط والقَصْد، ولا بدَّ من إعادة النظر في برامج التَّعليم والتَّربية، وإعطاء نِصيب زمني أكبر، ووسائل أكثر وأحدث، واهتمام أكبر بالمواد المؤثِّرة في تربية وغَرْس القيم في النَّشء؛ كالتَّربية الإسلاميَّة، والشريعة الإسلامية، والتاريخ، والتربية المدنيَّة القائمة على المرجعيَّة الدينية، والأعراف المجتمعية، والموروث الثقافي، وخصوصًا اللغة العربية، وذلك في كلِّ مراحل التعليم حتى العليا.
وأخيرا فاني التقدم بالشكر الجزيل لحسن استماعكم وعل حضوركم متمنيا لكم دوام الصحة والعافية وكل مسعانا لتعزيز منظومة القيم في كل مؤسساتنا بالتوفيق والسداد
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الأمين العام للمنتدى العالمي للوسطية
المهندس مروان الفاعوري