أخبار البلد - محمود عبد اللطيف
لـ نتفق على إن قرار الحرب في أمريكا قرار اقتصادي بالدرجة الأولى، بحيث أن أي حرب تخطط لها إدارة البيت الأبيض، تخضع احتمالاتها لواقع الجدوى الاقتصادية التي يقدمها خبراء الاقتصاد الحربي في أمريكا، و للتاريخ رأيه المؤكد لهذه النقطة.
المنطق البسيط يفرض التفكر في قرار حربي أمريكي في احتمالات اسبابه و احتمالات خططه العسكرية، فالأمور لدى واشنطن تأخذ بخواتيمها التي تدلل عليها مقدمات الحدث منذ اللحظة الأولى. الحدث الذي يشغل الإدارة الأمريكية حالياً هو الحرب على داعش بغض النظر عن رأي الحكومة السورية، ولذلك تنهج سياسة تشكيل حلفها و تحاول شرعنة هذه الحرب عبر قرار أممي جمعي، و قد يبدو الأمر أكثر جدية من التهديد الذي أطلقته أمريكيا بإدارة أوباما في العام الماضي بتوجيه "ضربة عسكرية" لـ سوريا، فوزير خارجية البيت الأبيض جون كيري يجوب العواصم بحثاً عن هذا الدور الذي تفتشه عنه في المنطقة.
الحجة الأمريكية في عهد الرئيس الأمريكي السابق "جورج بوش الأبن"، الذي ورّط المارينز بحرب في افغانستان ومن ثم العراق، و هدد بمحاربة سوريا عدة مرات بحجة محاربة الإرهاب بعد أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر، ومن ثم تأتي إدارة أوباما بذات الفكرة و ذات التكرار، و ما بين نشر الديموقراطية و الحرب على الإرهاب تقف السياسة الأمريكية حائرة في الثوب الذي ترتديه.
إن بناء الإدارة الأمريكية لأي من حروبها يكون على الأساس الاقتصادي و ما الذي يمكن أن تقدمه هذه الحرب من نتائج في هذا الشق، و ذلك استناداً إلى الصراع الذي بدء منذ مطلع القرن الحادي و العشرين في البحث عن طرق للسيطرة على مصادر و طرق نقل الطاقة في العالم، على اعتبارها عصب أي اقتصاد قوي، ومقوم اساس في تطوير الصناعة في أي دولة حول العالم، و بالحديث عن الطاقة يمكن العودة لاستقراء طبيعة الدول العربية التي ما زالت مشتعلة بنيران فوضى "الربيع العربي"
في أي احتمال حرب ضد سوريا تبحث عن التمويل الذي ينبري الخليج لتوفيره، فالحرب ضد سوريا تعني خروجها من حسابات السوق النفطية و تؤخر الاستفادة من المخزون الاستراتيجي للغاز الطبيعي المكتشفة قبالة الساحل السوري، و تعني أيضاً تحويل سوريا إلى سوق للاستثمار العقاري و بما إن الشركات العقارية الخليجية هي إحدى أهم أعمدة الاقتصاد الخليجي، فأخذ هذه السوق بعد خلق الظرف السياسي و الاقتصادي المناسب يمكن أن يخلق أرقام تعوض منه كيانات الخليج ما صرفته في محاولتها لتدمير سوريا و التي بدأت منذ نحو أربع سنوات، ويمكن تشبيه الخليج و من معه من قوى إقليمية بالمقامر الذي خسر كثيراً و وصل لمرحلة المقامرة بأغلى ما يملك على أمل التعويض.
في حين أن أمريكا التي حوّلت إيران في عيون الخليجيين أيضاً إلى "بعبع" يريد التهام المنطقة على أسس عقائدية من خلال تعزيز النفس الطائفي في الكيانات الحاكمة في دول الخليج العربي، الأمر الذي أدى إلى شراء هذه الكيانات للأسلحة الأمريكية بكميات كبيرة و على وجه الخصوص السعودية.
كل ما تقدم يفرض أن الحرب واقعة لا ريب، فالظرف اكتمل بكل معطياته و لدى الأمريكي المظلة الأممية المتمثلة بالقرار الأمريكي 2170، الذي يمكن تأويله أمريكيا للوصول إلى مرحلة محاربة داعش و النصرة بشكل مباشر، يضاف إلى ذلك الموافقة "الإسرائيلية" على هذه الحرب.. ولكن هل ستكون الحرب على سوريا أم على داعش.. هذا أولاً، وثانياً ما هي مفردات و نقاط القوى و الضعف الأمريكية في هذه الحرب.. ومن سخرج منها منتصراً .. ؟
الحرب في مظهرها الأول ضد داعش، لكن الحقيقة من ورائها هي إعادة داعش و وضعها على السكة التي توصلها إلى الهدف من تورط الأمريكية بإنشاء هكذا تنظيم، فتوجه تنظيم داعش إلى دمشق أفضل من تمدده في العراق، لتحقيق واقع تأتي القوات الأمريكي هذه المرة لفرضه من خلال تقسيم المنطقة على أسس دينية و طائفية و عرقية ضمن مشروع الشرق الأوسط الكبير.
لكن الحرب في مضمونها هي ضد الدولة السورية في احتمالين، أولهما أن تكون الرغبة الامريكية فعلا في ضرب داعش و بالتالي فإن التنظيم سينسحب من العراق نحو سوريا و عليه سيحاول قياديو داعش خلق انتصارات داخل سوريا ليظهر قوة تضمن تدفق المقاتلين عليه من أقطاب الأرض، و بهذه الانتصار يعوض ما سيخسره من مصادر للتمويل في العراق نتيجة الانسحاب المفترض، وهنا سيكون المتضرر الأكبر هو الدولة السورية.
في الاحتمال الثاني أن تكون هذه الحرب أصلاً مظلة لتوجيه ضربات مباشرة لقوات الجيش العربي السوري، ويترافق ذلك مع تقوية الشريك "السني" الذي تتحدث عنه الإدارة الامريكية و الذي سيكون في المطلق ميليشيا الجيش الحر نتيحة لتصويرها على إنها "معارضة مسلحة معتدلة" و يدلل على ذلك طلب أوباما من الكونغرس الأمريكي الموافقة على تخصص 500 مليون دولار لدعم هذه الميليشيات، و بالتالي ستكون سوريا متضررة بشكل مباشر أيضاً من العملية العسكرية المفترضة لضرب داعش.
نقاط القوى الأمريكية
ترتكز أمريكا هذه المرة إلى عدة نقاط قوية، ولا يمكن تجاهل أوراقها القوية في نيتها العسكرية الأمريكية و التي تتمثل فيما يلي: 1- المزاج العام في أمريكا يميل نحو تأييد رئاسته في حربها ضد داعش، خصوصاً بعد فليمي ذبح الصحفيين الأمريكيين.
2- المزاج العام في أوروبا و الدول الداعمة لأمريكا مستعد لتمويل و دعم هذه الحرب بسبب ارتفاع المخاوف في هذه البلدان من ارتداد الجهاديين.
3- الحلف قريب من التشكل في صورته النهائية، و الرغبة الخليجية بتمويل هذه العملية واضحة و بالتالي التمويل متوفر لهذه الحرب و لن تخسر الخزينة الأمريكية.
4- لن تكون أمريكا و غيرها من قوى مضطرة للدخول البرّي مع توافر عناصر مرتزقة من خارج الجنسية الأمريكية و على رأس القائمة في هذا التمثيل ميليشيا الجيش الحر و عدد آخر من "الإرهابيين المعتدلين" كما وصفتهم أمريكا.
5- وجود القرار 2170 الذي سيكون المظلة التي تقف تحتها أمريكا كاسبة "الشرعية الدولية. 6- مباركة "إسرائيل" لهذه الحرب، وذلك لأن نتنياهو يبحث لنفسه عن نصر يخرج بمستقبله السياسي من المأزق الذي دخله بعد الفشل الذريع في قطاع غزة
لكن كل ما تقدم لن يأخذ أمريكا نحو ارتكاب حماقة ضد الحكومة السورية و لا حتى التفكير بتجاوز قرارها السياسي و ذلك قد بدأته واشنطن التي صعدت موقفها من دمشق، لكنها عادت لتغازل سوريا من بوابة حماية المسيحيين التي اعترف بها باراك أوباما بالقول أن الرئيس السوري بشار الأسد حمى المسيحيين، و الاسباب التي تنفي احتمالات قيام أمريكا بأي عمل عسكري في سوريا سواء ضد دمشق أو ضد داعش دون الرجوع لقرار العاصمة السورية هي التالي: 1- لا يمكن لـ "حكماء بني صهيون" الانسياق وراء قرار بنيامين نتنياهو الذي فقد سمعته العسكرية و السياسية نتيجة فشل العدوان الأخير على غزة، و بالتالي لن يسمح اللوبي الصهيوني بقيام هكذا حرب خشية على أمن "إسرائيل".
2- لا يمكن للإدارة الأمريكية أن تنزلق في هكذا حرب و هي تعلم تماماً أن الرد السوري سيكون موجوداً و قوياً لـ عدة أسباب منها طبيعة التسلح السوري الذي تدركه القوات الأمريكية و تعرف تماماً أنها تمتلك دفاعات جوية ستجعل اختراق سوريا خطراً على سمعة واشنطن العسكرية.
3- فتح الصراع العسكري مع روسيا في منطقة شرق المتوسط سيكون خطراً كبيراً على المصالح الأمريكية في المنطقة و غيرها بما في ذلك أن يعسكر الروس ما يجري في شرق أوروبا من خلال الملف الأوكراني و للغاز حساباته في استراتيجية أي حرب ضد روسيا.
4- لا يمكن لـ أمريكا أن تتجاوز رغبة حلفائها الأوروبيين و رفضهم لهكذا عمل يمكن أن يجعل من العملية العسكرية ضد داعش، جحيماً تسقط فيه عظمة دولهم.
5- تتركز الرغبة الأوروبية على قتل جميع عناصر داعش في سوريا و العراق، أو الحفاظ عليهم خارج بلدانهم و بالتالي فإن أوروبا إن أيدت حرباً ضد داعش في العراق فالهدف الأوروبي من ذلك أن يأخذ عناصر هذه التنظيم إلى المحرقة السورية بما يضمن عدم خروجهم منها أحياء.
6-المزاج العام في أمريكا يميل إلى التحالف مع سوريا و الرئيس الأسد، وعليها فإن حرباً ضد سوريا مرفوضة كلياً في أمريكا.
و لكن ما هي المخاوف الأمريكية الحقيقية في احتمال عزمها على توجيه الضربة العسكرية..؟ إن احتمال الفشل العسكري الأمريكي يأتي من المفردات التالية: 1- السيل الصاروخي الذي ستوجه سوريا خلال الساعة الأولى من أي حرب ضدها يقدره محللو الكيان الصهيوني العسكريين بـ 1500 صاروخ، مضاف إليه سيل صاروخي من إيران ويقدره الإسرائيليون بـ 2000 صاروخ خلال الساعة الأولى أيضاً، وهذا الرقم ليس مبالغاً فيه نتيجة للتقارير الإعلامية التي تتحدث عن القدرة الصاروخية الكبيرة للجيش العربي السوري و التي لم يتم الكشف عنها إلى الآن، و يضاف في هذه النقطة التخوف الإسرائيلي من فشل القبة الحديدية التي لم تصمد أمام صورايخ تعتبر بدائية الصناعة العسكرية، ومن المتوقع أن تستهدف هذه الصواريخ القواعد العسكرية داخل فلسطين المحتلة ، و القواعد العسكرية الأمريكية في المنطقة و خصوصاً الخليج العربي. 2- دخول حزب الله على خط المعركة سيكون أكيداً و بالتالي فإن مرتفعات الجليل ستكون أولى المناطق المحررة و "إسرائيل" تدرك ذلك جيداً و لا تفكر بأي عمل استفزازي في المنطقة يكون له صفة الجدية و إن كانت قد قامت ببعض الاعمال العدائية ضد سوريا في الفترة الأخيرة ومنها دعم جبهة النصرة في المعارك التي تخوضها الميليشيا الإرهابية في منطقة القنيطرة ما هي إلا محاولة استرضاء للجبهة الداخلية لكن إسرائيل تدرك تماماً إنها في وضع لا يسمح لها لا عسكرياً و لا اقتصادياً و لا حتى اجتماعياً بمباركة هذه الحرب في شكلها الحقيقي، ولكنها لا تجد ضيراً في التهويل الاعلامي و ارسال التهديدات المباشرة و غير المباشرة إلى دمشق من أجل تحصلها على بعض المكتسبات الأمنية و التي منها مساومة سوريا على ملف المقاومة الفلسطينية علها تستفرد بها في وقت ما. 3- يدخل في حسابات الإسرائيليين أيضاً تحرك فصائل المقاومة الفلسطينية المتعددة في قطاع غزة خصوصاً تلك التي ما زالت على ارتباط وثيق بسوريا كـ كتائب أبو علي مصطفي، و سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي.
4- يدخل في حسابات أمريكا في أي حرب أو عملية عسكرية قد تثير عاصفة محور المقاومة ضدها و ضد أوروبا أن إيران نفذت في مرات سابقة عمليات تدريبية لـ إغلاق الخليج العربي ما يحول النفط إلى سلاح آخر يمكن أن يقلب موازين المعركة نظراً لتضعضع الاقتصاديات الاوروبية و لغرق واشنطن نفسها في جملة من الارباكات الاقتصادية. 5- تفكر أمريكا جيداً بأن الحرب ضد سوريا تعني الحرب ضد روسيا التي تمتلك بعلاقتها مع دمشق شريكا ً استراتيجياً يؤمن لموسكو الوصول إلى المياه الدافئة التي تعتبرها منطقة نفوذ استراتيجي لها، وبالتالي فإن قدرات القاعدة العسكرية الروسية على سواحل طرطوس السورية ستكون بكل قدراتها تحت تصرف دمشق، و لا يستبعد أن تدخل في حسابات المعركة بقية قطع الاسطول الروسي، وقد تبدأ عمليات روسية من شبه جزيرة القرم، على أن يكون جزءاً منها نحو شرق أوروبا، و لا تقدر واشنطن على استبعاد التلويح الروسي السابق بورقة تحويل "عقيدة الجيش الروسي" نحوها و نحو أوروبا. 6- لا يغيب عن بال أمريكا انقلاب القوى العالمية عليها في حال تحويل عمليتها ضد داعش إلى عملية ضد دمشق، فروسيا و الصين حاضرتين في مجلس الأمن بـ الفيتو المزدوج، و هما حاضرتين لتهيئة الظرف الدولي لهذا الغرض، ناهيك عن دول أمريكا الجنوبية و الكثير من الدول الأوروبية التي تعارض هذه العملية، و بالتالي فإن أمريكا تضع كل هذه الحسابات في حربها ضد سوريا، و لن تخرج هذه الحرب من إطار التصريحات الإعلامية و إن تورطت فيها بشكل حقيقي فإنها تأخذ العالم نحو حرب عالمية ثالثة لن تخرج منها منتصرة، فلم تعد وحدها تمتلك السلاح النووي، لكن أوباما مهما بلغ هو أو غيره من الجنون و التهور لن يقوى على أن يغامر بملف وجود إسرائيل، فتحويل إلى "جون كندي" ثان بعملية اغتيال لا تكشف أبداً أمر سهل على الحركة الصهيونية العالمية.
على ما تقدم ... لا يمكن القبول بكل الأصوات العربية التي تساوم أمريكا بالدخول إلى الحرب ضد داعش مقابل إسقاط الدولة السورية، و القضاء على داعش لا يتم بهذه الطريقة، فإن انتهى تنظيم الدولة الإسلامية فمقاتليه لن ينتهو من الأرض، و المؤمنيين بذات العقيدة التكفيرية موجودين في مناطق عدة، وكما خرج داعش إلى وجه الأرض، سيخرج غيره من أقبية المخابرات الأمريكية في وقت لاحق.
بالتالي لن تذهب دمشق نهائياً نحو الخسارة أمام الرئيس الأسد الذي سيقاسم الرئيس الروسي عملية إنهاء الغطرسة الأمريكية ومحاولاتها الإنفراد بالقرار السياسي في العالم، ولن يقبل اللوبي الصهيوني بأن تكون الإدارة الأمريكية هي المتسبب في أن تمحى إسرائيل من الخريطة على يد الجيش العربي السوري و عهد الرئيس السوري بشار الأسد.