بدأت الولايات المتحدة تحركا جادا لبناء تحالف دولي لمواجهة الإرهاب الداعشي. في هذا التحرك فرصة وخطر في آن.
الخطر في أن تحاصَر أهداف التحالف في ضيق تعريف واشنطن لمصالحها، فتأتي قاصرة تتوقف عند تحييد التحدي العسكري اللحظي لداعش وتنتهي بدحره، لتظل البيئة السياسية والاجتماعية الإقليمية تربة خصبة لإعادة إنتاج الإرهاب.
أما الفرصة فتكمن في توظيف الدول العربية المؤثرة حاجة واشنطن مواجهة داعش ومثيلاتها، فتبادر إلى بلورة استراتيجية شاملة لمعالجة المشكلة من جذورها. هذا الدور العربي في رسم أدوات عمل التحالف الدولي وأهدافه هو السبيل الوحيد لضمان عدم تكرار فشل الماضي في مواجهة الإرهاب.
وبعكس ما يعتقده عدد من أعضاء مجلس النواب، هذه حربنا وليست حرب واشنطن ولندن.
هي حرب الأردن وكل العرب والمسلمين. فداعش تقتل الأبرياء في العراق وسورية وليس في باريس. إرهابيوها يتزايدون على حدود الأردن والسعودية وليس على حدود برلين. وفي مدننا وليس في مدن أوروبا يرفع أتباعها رايات الحقد والجهل اللذين تمثل.
من أجل ذاك لا يملك العرب ترف التنصل من هذه الحرب. ولا يجوز أن يتخلوا عن حقهم وواجبهم في ضمان امتلاكها أسباب النجاح عبر تأطيرها في خطة سياسية متكاملة. وأقل ما يستدعيه ذلك هو موقف جماعي صلب يحول دون تبلورها جهدا تكتيكيا يقف عند رؤية الغرب لمصالحه، بالإضافة إلى تنسيق وعمل مستمر يمنع دولا إقليمية من فرض أجنداتها ورؤاها المشوهة عليها.
فما يزال الرئيس الأميركي باراك أوباما يضع سورية خارج ساحة مواجهة الإرهاب. هذا توجه خاطئ. فسورية باتت التربة الأخصب لنمو التطرف والحاضنة الأوسع للإرهابيين. يعرف العرب أن إنهاء مأساة سورية شرط لدحر الإرهاب. لذلك يجب أن يصرّوا على أن تستهدف الحرب على داعش معالجة أزمة سورية.
ولواشنطن وشركائها الغربيين مع إيران، التي أسهمت في بروز داعش عبر دعم استبدادية الأسد وإقصائية المالكي، مصالح وقضايا يناقشونها عبر مفاوضات يغيب عنها العرب، وتُغَيب عنها مصالحهم. ستلتفت واشنطن بلا شك إلى تلك المصالح وهي تبني تحالفها ضد داعش. ضروري أن يعمل العرب على أن لا تقوض صفقات أميركية إيرانية مصالحهم.
وستسعى الولايات المتحدة إلى التنسيق مع تركيا وقطر بشكل يعكس تأثر واشنطن المتنامي بسياساتهما الإقليمية. وهذا تنسيق يجب الانتباه إليه في ضوء تضارب رؤى البلدين مع بقية دول المنطقة تجاه القضايا الإقليمية. فالسياسات التركية نحو العرب محكومة بأطماع رئيسها الشخصية ونهجه الشعبوي. وكذلك كان لسياسات قطرية آثار سلبية فاقمت أزمات رئيسية كالأزمة في سورية.
ستنعكس هذه التناقضات والتوازنات حتما على الجهد الدولي لمواجهة داعش. وسيكون التفات واشنطن وحلفائها الغربيين إلى مصالح العرب مرتبطا بفعالية الدور الذي يقومون به في تحديد أهداف التحالف الجديد أثناء تكوّنه.
أسباب فشل الجهود السابقة في الحرب على الإرهاب وإضرارها بمصالح العرب واضحة. هي تشمل بلا شك ارتباط الدور الأميركي بحسابات سياسية داخلية وتذبذبه وفق تعريف واشنطن المتحرك لمصالحها. لكن حصر أسباب الفشل بالسياسات الأميركية هروب من تحمل المسؤولية.
السبب الرئيس للإخفاقات السابقة هو غياب التأثير العربي اللازم في رسم استراتيجيات مواجهة الإرهاب وفي تنفيذها بما يضمن معالجة المشكلة بالشمولية السياسية والثقافية والاجتماعية التي تنهي جذورها وتحمي المصالح العربية.
الحرب على الإرهاب حربنا. لن تنجح إن لم تتحمل الدول العربية المتماسكة مسؤولياتها، فتشارك فيها تخطيطا وتنفيذا وتصديا لكل من يحاول أن يجيّرها لمصلحته على حساب مستقبل عربي يبدو، حتى اللحظة، قاتما مرتهنا للجهل وسائرا نحو المزيد من الانهيار.