ذات يوم وقفت صباح (الشحرورة ) وغنت :- (جيب المجوز يا عبود رئص إم عيون السود) ...في وقتها إعتبرت هذه الأغنية ثورة , على الموروث الفني العربي من حيث مضمون الأغنية الذي يدعو (عبود) لأن يعزف على المجوز , من أجل أن ترقص (أم العيون السود) ...والبعض إعتبر الأغنية اشبه بالإنفلات ...
بعدها اصدر شفيق جلال أغنيته المشهورة :- (أمونه بعتلها جواب أمونه ولا سألت فيه أمونه إيه الأسباب ) .....شفيق جلال لحظة تسجيل هذه الأغنية في منتصف السبعينيات كان يرتدي ربطة عنق تشبه (شرشف الطاولة) ...مع قميص (تشارلستون ) ...وكان لديه (كوكو) أي :- غرة شعر كثيفة , وحتى هذه الأغنية أعتبرت من قبل دعاة المحافظة , بمثابة إنفلات , كيف يجاهر رجل في الستين من عمره بحب (أمونه) ..ويجاهر بأنه أرسل لها رسالة , علما بأن الإيميل لم يكن قد ظهر بعد ولا (الواتس أب) ...ناهيك عن أن شفيق لم يفصح عن فحوى الرسالة وهل هي حب أم إعجاب أم تودد ....والأخطر أنه , قدم أداء جديدا أعتبر ثوريا في عالم الغناء فحركاته التي تتماشى مع اللحن , ومضمون الكلمات كانت تؤكد أن الرجل يقوم بفك (بنشر قلاب) ..وليس بالغناء لحبيبته .
في وقت قريب أنتج فهد بلان أغنية :- (لأركب حدك يا الماتور ) وهذا الرجل كان له ميزة في الغناء وهي أنه :- (بزرب عرق زرب) بمعنى أنك تشعر أنه يغني من أمام فرن وليس مايكريفون , فهو دائم التعرق , ومنفعل ...واي رجل سيقف أمامه اثناء أداء الأغنية من الممكن أن يقوم ( بشمطه كف) .
هذه الحالات إعتبرت في حينها تمردا على مألوف الفن , وثورة حقيقة في عالم الكلمة واللحن ...واثارت جدلا في المجتمع , ففي ذلك الزمن كان هناك شيء يحمي المجتمعات يسمى المحافظة , وكان التمسك بالقيم المجتمعية في أوجه , ناهيك عن أن الصراع العربي الإسرائيلي كان محتدما , وحتى تصل لحالة الإنتصار لابد من إنتاج مجتمعات ملتزمة بثوابت المعركة .
في عمان اليوم لدينا مهرجان للألوان وهو عبارة :- عن مجموعات هائلة من الصبايا (بالشورتات ) ويقمن بقذف بعضهن بالألوان , ولدينا مهرجان للبندورة ومهرجان لملكة جمال الأردن , ...وكل هذا الأمر يتم في لحظة صراع عربي إسرائيلي متمثل بحرب غزة , بالمقابل بعض المتمسكين بثوابت المعركة في أوائل السبعينييات أعتبروا أغنية صباح :- (جيب المجوز يا عبود) حالة إلهاء وتميع للشباب العربي وقلب للبوصلة عن الدور المناط بهم وهو تحرير فلسطين .
المجتمعات المحافظة , تستطيع أن تواجه أزماتها بكل قوة , في حين أن حالة الإنفتاح التي تصنع باسم التمدن , تشكل عبئا على المجتمعات ...
في لجة القوانين التي تصدرها الحكومات ويجيزها مجلس النواب للان لم يتم التطرق لاي قانون يحمي الذوق العام , لم يتم صياغة أي قانون يحافظ على هوية المجتمع ويحميه من الإنحطاط , لم يتم التطرق لاي قانون يحافظ على وجدان الناس ...لهذا فإن تلك المهرجانات, هي نتاج طبيعي لغياب القانون الذي يحصن المجتمع ...
على كل حال ...(أمونه بعتلها إيميل ...) ...رحم الله ايام شفيق جلال وصباح وفهد بلان ..وأعاننا الله على زمن ليس لنا .