خاص باخبار البلد - خالد أبو الخير
تبدأ رحلة دولة الاستاذ الدكتور عدنان بدران من شغفه بالعلم، وهي دائما إلى امتداد.
نزر من التاريخ لا يضر، فجذور آل بدران تعود إلى عائلة نابلسية انتقل بعض أفرادها إلى السلط في القرن التاسع عشر على الأرجح، وكان الشيخ محمد عايش والد الرئيسين مضر وعدنان بدران من أبرز قضاة الشرع في عهدي الإمارة والمملكة، استقر في الاردن في اوائل العشرينيات، وعمهما الصيدلاني عبد الحليم عايش بدران من أوائل الصيادلة المؤهلين تأهيلاُ علمياً جامعياً في الأردن، فقد تخرج من جامعة دمشق التي كان اسمها الجامعة السورية، وشارك في الثورة ضد الفرنسيين وجاء إلى السلط واستقر بها.
البيئة التي تحب العلم والمغرمة بالتعلم التي نشأ بها، تركت اثرها في شخصيته، مثلما أهالي جرش واحراشها وذراها العالية.
ولد الدكتور عدنان بدران في جرش يوم 15/12/1935 ، وفيها تربى وشب ، وما زالت تربطه صلات بعدد من اصدقاء الطفولة والمدرسة، ما يعد معه إنساناً يتصف بالوفاء.
يقول: والدي كان قدوتي، تعلمت من تجربته الكثير، فقد تخرج رحمه الله من الأزهر في زمن العهد العثماني بدرجة البكالوريوس، ودرس الدراسات العليا في اسطنبول عاصمة الدولة العثمانية انذاك، وعمل قاضياً طيلة حياته ، ومنه تعلمت أن أعتمد على مجهودي الشخصي، فهذا الرجل الذي لم يرث شيئاً، بنى نفسه بدون مساعدة من أحد، وإستطاع أن يحافظ على أسرتنا المكونة من سبعة أشخاص، أربع بنات و ثلاثة أولاد جميعهم جامعيون ، وحرم نفسه من أشياء كثيرة طوال حياته ليوفر التعليم لابنائه، وكان يقوم بتدريسنا بعد عودته من العمل، فهو الأب والمعلم لنا.
تنقلت الاسرة من جرش إلى الكرك ومن ثم إلى العاصمة عمان، بحكم عمل والده.. وأحيانا يسرح بخياله إلى الطرق التي تطوى، وتعجّل في الوصول.
بعد انهائه دراسته الثانوية سافر إلى الولايات المتحدة، وفيها كانت بداياته العملية فقد انهى فيها دراسة البكالوريوس والماجستير و الدكتوراة، وباشر العمل في بوسطن لمدة 3 سنوات في مركز للابحاث العلمية، بتخصص فسيولوجيا والتكنولوجيا الحيوية والتركيز على النباتات، ونجح في التوصل إلى اربعة اختراعات ونشر مجموعة من البحوث العلمية.
عودته إلى الوطن يسبقه قلبه الذي ما زال خفاقاً بالحب والأمل كانت عام 1969. حينها كانت تؤسس كلية العلوم في الجامعة الاردنية فالتحق بها ، وفي عام 1970 وصل لمرحلة الاستاذية وأصبح عميداُ له.
سيرته تعج بالمناصب الاكاديمية التي يصعب تعدادها، لكنه شارك في تأسيس العديد من الجامعات: اليرموك، ومؤتة، والعلوم والتكنولوجيا، فيلادلفيا والبتراء التي يترأس اليوم مجلس أمنائها، وبها.. يخط بدران في الدستور الاكاديمي سطوراً من ألق وإبداع.
ورغم انه ليس غريباً عن الحكومات، فقد جاء وزيرا مرتين، للزراعة عام 1989، ومن ثم للتربية والتعليم في نفس العام، إلا أن لتشكيله الحكومة عام 2005 قصة، فقد استدعاه جلالة الملك، وحين كان في الطريق إلى القصر، كان يظن إنه إنما استدعي لأمر يتعلق بتطوير العمل الاكاديمي و رسم إستراتيجية عليا لملف التعليم العالي .. حتى فاجئه رئيس الديوان الملكي انذاك سمير الرفاعي على الباب بقوله: مبروك ثقة جلالة سيدنا؟.
إبان ترؤسه الحكومة أبلى الاكاديمي البارز البلاء الممكن، في عالم السياسة، وحكومته التي تعد الاقصر عمراً خلت في البداية من اي توزيع جغرافي للوزراء، مما اثار عليه نقمة النواب، واوقعها في صراعات مراكز القوى. عن تجربته تلك يقول: انا اؤمن بالديمقراطية والشراكة، وقمت بادارة دفة الحكومة من خلال مجلس الوزراء عام 2005 بمشاركة الوزراء جميعا ، إذ كانت كل القرارات تتخذ بالاجماع، والمعارضة بالنقاش المتفاهم، ورغم وجود جلسة رسمية يوم الثلاثاء الا انني قمت بانشاء جلسة اسرية عفوية مفتوحة بين اعضاء الحكومة يوم السبت لمناقشة الاجندة الوطنية والاصلاحات، فكانت روح الزمالة والصداقة هي الاساس ومازالت العلاقات بيني وبين الوزراء في تلك الفترة مستمرة حتى الان.
يعزى له إبان رئاسته للوزراء أنه تصرف بحضارية ورقي، وبذل جهده لرفع قيم حقوق الانسان.
اهتمامه هذا، بالانسان، كان توطئة لمنصبه الثاني، حين عين فيما بعد، رئيسا لمجلس أمناء المركز الوطني لحقوق الانسان.
من بين مئات المؤتمرات التي حضرها، يذكر دائما رعايته لمؤتمر في نهاية السبعينيات عندما كان رئيساً لجامعة اليرموك، حول المياه واطماع اسرائيل فيها: "كل شيء خرج عن هذا المؤتمر أصبح حقيقة، خصوصاً وأن المؤتمر تكرر ثلات مرات بكلمة افتتاحية يلقيها دائما سمو الامير الحسن بن طلال، ولو أخذ بتوصياته لما كنا نعيش هذا الوضع حالياً."
وخلال عمله في اليونسكو، أسس ورعى مؤتمر اليونسكو العالمي للعلوم في بودابست، ولا يزال حتى الان يعقد كل عامين بحضور علماء وخبراء العالم لبحث التقدم والتطور العلمي.
يقدر بدران لزوجته وأم اولاده "مها" التي تعرف عليها إبان عمله في الجامعة الاردنية، دورها في حياته وتفانيها في مساندته وتربية الاطفال، وكثيرا ما يردد: أنا مدين لزوجتي بالكثير.
وأبو سمير أب لاربعة أبناء وابنتين، اكبرهم سمير الذي يعمل مع اليونسيف ، و رائد ويعمل حاليا في حقل البنوك، وسامر الذي اغوته بوسطن بعدما درس بها وبقي هناك، والاصغر فراس. أما ابنتاه سيلين فطبيبة أسنان، و دانا درست الطب البشري في بريطانيا.
الدرس الاهم الذي علمه لأولاده هو مخافة الله تعالى وعدم الكذب والنفاق ، وعدم التطاول على حقوق الاخرين.
حين يخلو لنفسه، يحب بدران ان يستمع الى اغاني عبد الوهاب وأم كلثوم وفيروز التي يبهجه صوتها في الصباحات، ويقرأ أشعار إبراهيم طوقان وأحمد شوقي.. ولعله يذكر لطوقان قوله:
مَــوطِــنِــي مَــوطِــنِــي
الحُسَامُ و اليَـرَاعُ لا الكـلامُ والنزاعُ
رَمْــــــزُنا رَمْــــــزُنا
مَـجدُنا و عـهدُنا وواجـبٌ منَ الوَفا
يهُــــــزُّنا يهُــــــزُّنا
أو مرت أمام ناظريه أبيات أمير الشعراء:
إختِلافُ النَهارِ وَاللَيلِ يُنسي اُذكُرا لِيَ الصِبا وَأَيّامَ أُنسي
وَصِفا لي مُلاوَةً مِن شَبابٍ صُوِّرَت مِن تَصَوُّراتٍ وَمَسِّ
..الاكاديمي الريادي، ما زال معنيا بهموم مجتمعه ووطنه، ويردد طلبته، أنه كثيرا ما يستوقفهم ويسمع منهم، ويحاول جهده حل مشاكلهم والرقي بمستواهم التعليمي.. ولم يسكن قط في برج عال، باذلا ما يستطيع وفوق ما يستطيع.
يعرف عن دولة الرئيس عدنان بدران تمتعه بشخصية شرقية عاطفية وحازمة، وحرصه على تحقيق الانجاز، وضيقه المبرر من الثرثرة.. ما يحدو بي لان أمسك ولا اكمل، فخير الكلام أوجزه كما قالت العرب، و.. لعلي أوجزت.