مقابلة جلالة الملك عبدالله الثاني مع "الغد"، والتي أجرتها الزميلة رئيسة التحرير جمانة غنيمات، ونشرت الأحد الماضي، جاءت كما لو أنها رسالة من الأردن المستغرق في تفاصيل الأحداث جميعها إلى الإقليم الملتهب الذي يعاني الحروب والدمار والقتل والتهجير، وحدد فيها جلالته خريطة طريق متكاملة للخروج من الفوضى التي يعيشها هذا الإقليم منذ سنوات طويلة، سواء تلك الأزمات التي تلت ما يعرف باسم "الربيع العربي"، أو تلك التي كانت سابقة عليه.
قضية الساعة بالنسبة إلى الملك هي ما يدور في قطاع غزة، والذي شهد مذبحة كبيرة نفذتها قوات الاحتلال الإسرائيلي، ذهب ضحيتها مدنيون من أطفال ونساء وشيوخ، وهو ما وصفه الملك بأنه "أمر غير مقبول إنسانيا وأخلاقيا".
ومع دعوة جلالته المجتمع الدولي إلى مساءلة إسرائيل عن أفعالها في غزة، يأتي التأكيد بأن "النزاعات تقود إلى طاولة المفاوضات". وجلالته يؤكد على قناعته الدائمة، بأن لا نهاية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي إلا بتوجه صادق نحو خيار السلام، ينتهي بـ"حل الدولتين".
في السياق كذلك، يلفت جلالته إلى أن مساعدة الأشقاء الفلسطينيين لا تكون برفع الصوت والضوضاء والشعارات وطلب الشعبية، بل بالعمل الدبلوماسي من خلال القنوات المتاحة، وتقديم صورة حقيقية إلى المجتمع الدولي عما يعيشه الفلسطيني اليوم من مآس تحت سلطة الاحتلال، والمساهمة في رفع الظلم والمعاناة عنه، وكذلك المساعدة في جمع الجهود لمرحلة ما بعد العدوان وإعادة إعمار القطاع الذي دمّره الاحتلال.
الدمار والفوضى اللذان يعصفان بسورية، ما كان لهما أن يمتدا ويتواصلا على هذا النحو لو توفرت إرادة عربية حقيقية تعمل على تقريب وجهات النظر بين المعارضة الوطنية المعتدلة والنظام، بدلا من إدارة صراع إقليمي ودولي مفتوح وشامل داخل الجغرافيا السورية، وعلى حساب مئات الآلاف من الضحايا.
الحالة السياسية المعقدة التي يعيشها العراق مؤخرا، كان لها نصيب من الحديث الملكي، إذ لا يمكن لأي جهة كانت احتكار السلطة أو تغييب أطراف عنها. حل الأزمة العراقية الحالية ليس سحريا، فهو يتمثل في إطلاق "عملية سياسية وطنية جامعة تشارك فيها كل الأطياف والمكونات دون استثناء لأي طرف، وتؤدي إلى حلول توافقية".
ويعيد جلالته التأكيد على أن ترك الأزمة السورية بدون حل، أدى إلى نقل انعكاساتها إلى الساحة العراقية، ما أدى إلى نمو التطرف والإرهاب الذي لا يؤثر على هاتين الدولتين فحسب، ولا على الإقليم فقط، وإنما على العالم أجمع.
يعي الأردن تمام الوعي الأخطار المحيطة به، وهو دائما يطلق صرخات التحذير للعالم، حتى قبل وقوع الأزمات. لكن الحديث الملكي الأخير حدد واحدا من مواطن الضعف الكبرى في العالم العربي، وكيف أنه وقع فريسة سهلة للأزمات والتطرف والإرهاب خلال السنوات القليلة الماضية؛ ذلك الموطن هو غياب العمل العربي المشترك، وتشتت وجهات النظر العربية في تعاملها مع الملفات الساخنة، ما أدى إلى إهمال كثير منها وتناميها.
العمل العربي المشترك بات اليوم ضرورة ملحة إن كنا نتمسك بالاستقرار والبقاء، وأن يكون لنا تأثيرنا في عالم متغير يؤمن بالمصالح المشتركة لا بالصداقات.