من حق كل مواطن أردني أن يشعر بالخوف، من جرّاء تمدد تنظيم داعش الإرهابي على تخوم الحدود الأردنية مع العراق، ومن واجب كل مسؤول أردني اتخاذ كل ما يجب من الاحتياطات لدرء هذا الخطر، خصوصا وأن سياسيين عراقيين يقيمون في الأردن يؤيدون هذا التنظيم، واذا كان بعضهم يظن أن هذه المخاوف مبالغ فيها، فإن مفاجأة ماجرى في العراق تعتبر ردا كافيا على ذلك الظن، فمن كان يتوقع سقوط أكثر من محافظتين عراقيتين بيد الداعشيين خلال أيام معدودة، قد يبرر بعضهم تلك «الانتصارات» بدعم تلقته مجاميعهم من داخل تلك المحافظات نكاية بالمالكي، وردا على سياساته التهميشية ونظرته الطائفية لما يجب أن يسود العراق، لكنه يبدو تجاهلا مُخلا لوجود حواضن شعبية للمتطرفين التكفيريين، القول إن هذا الواقع غير موجود في الأردن، خاصة وأن السلفيين التكفيريين ينشطون علانية، ويعلنون بفخر عن سقوط «شهداء» لهم في حربهم ضد «النظام الكافر» في سورية، وليس مُستبعدا مساهمتهم في الجهاد ضد «النظام الطائفي» في العراق، على طريق بناء «دولة الله» في العراق والشام.
لن يكون مُطمئنا النوم على حرير أن معركة داعش طائفية فقط، وهي تندلع ضد أنظمة قادتها من غير السنة، وأن أولويتها الراهنة والصعبة، هي ترسيخ سلطتها في المناطق التي تسيطر عليها في سورية والعراق، وأنها بعد نجاحها في استقطاب جماهير المناطق الواقعة تحت سيطرتها في بلاد الشام، ستعمل على تكرار التجربة في بلاد الرافدين، حيث النجاح عند قادتها شبه مضمون، مُتناسين تجربة سابقة حين طردهم العراقيون من مناطقهم في غرب البلاد، لرفضهم العيش في ظل سلطةٍ مُتطرفةٍ، تعمل على فرض الدين كما تراه وتفهمه على مجمل الناس، بطرق غاية في البدائية، خصوصا إن كررت تجربتها السورية المقيتة والمتخلفة، إضافة لرفضهم الخضوع لقيادات كانت غير عراقية قبل سنوات، وفيها اليوم جنسيات ليست عربية.
أحد أشكال تهديد داعش للأوضاع «الهشة» في الاردن، وهو أقلها خطرا، هو تدفق المزيد من اللاجئين العراقيين، الأخطر هو احتمال تحرك المقاتلين الأردنيين، المنضوين تحت ظلال الرايات السود، ما يستوجب منعهم سلفا من ذلك، على أن يتم ذلك تحت مظلة القانون لا أن يُستغل للتضييق على الحريات العامة، وليس سرا أن الأجهزة الأمنية على معرفة كاملة بخفايا هؤلاء، الذين يجب الحد من حريتهم لخطورة أفكارهم على المجتمع، وما يمكن أن يتبع من استقطابهم لـ «مجاهدين انتحاريين» لا يعلم أحد أين وكيف يكون نشاطهم، بعد غسل أدمغتهم وتحويلهم إلى قنابل موقوتة، مع التأكيد على استعداد بعضهم لتقبل أفكار داعش ومن هم على نمطها، دون إغفال تأثير انتشار هذا الفكر المتطرف في سورية والعراق، على أردنيين يحملون الفكر نفسه، ولو أنهم لا ينتمون تنظيميا للتنظيمات المؤمنة بهذا الفكر المذهبي المنغلق والمتطرف، وقد يكون هؤلاء بيئة مناسبة لنمو سرطان هذه التنظيمات.
كانت ولادة داعش «القيصرية» مفاجأة للجميع، وكان تمردها على التنظيم الأم مفاجئا وغير متوقع، كان تحالفها مع بقايا بعث صدام مفاجأة أخرى، وكانت «انتصاراتها» في بلاد الرافدين أكبر المفاجآت، فهل يتحمل الأردن مفاجأة من هذا العيار الثقيل، أم يواصل الرسميون فيه التغني بحالة الأمن والأمان، والتفاف الشعب حول قيادته، التي تجد نفسها أمام تحديات مصيرية، في إقليم يبدو أن إعادة رسم خرائطه مهمة بدأت، وهو في عين عاصفتها.