أخبار البلد - د. عامر السبايله
في اليوم الذي قتلت فيه فتاة عجلون قتلت ايضا فتاتان في مكان آخر، وطبعا لان موضوع جرائم الشرف بالنسبة للكثيرين استهلك – نوعا ما- اعلاميا. قصة اعتناق ديانة يسهل تسويقها واستثمارها واستغلالها نظرا لمناخ الحشد والكراهية الذي يتسيد المنطقة منذ فترة ليست بالقصيرة. لهذا؛ فمن المؤسف ان تمر حوادث القتل المتكررة هذه من دون وقفة حقيقية تدق ناقوس الخطر وتدفع الجميع للتعامل مع الموضوع بطريقة حاسمة.
وبعيدا عن خصوصيات وحيثيات أية حادثة، تظهر الممارسات ان مكامن الخطر المجتمعي كثيرة وقد يكون اخطرها تحول الانسان في نظر الآخر الى سلعة لا بد من استغلالها، الأمر الذي يعزز سيادة الشعور بأن الناس لم يعودوا يلتفتوا لفكرة قيمة الانسان وقدسية حياته بل على العكس تماما تتجلى صور انحدار قيمته وسهولة التفكير بالخلاص منه.
نحن بحاجة الى اعادة تقويم طبيعة المناخات التي تتطور فيها العلاقات الانسانية في مجتماعتنا، لندرك ان مجمل هذه الممارسات من طريقة قيادة السيارة الى استسهال ارتكاب جريمة القتل، هي نتاج سياسات فشلت في انجاح عملية الاندماج المجتمعي من جهة وفشلت من جهة أخرى بإعطاء الانسان الشعور بإنسانيته وقدسيتها. المشكلة لا يمكن اسقاطها على مجتمع واحد من دون غيره، فهي مشكلة بشرية ويمكن رصدها في عدة مجتمعات، لكنها بلا شك تختلف من مكان لآخر وفقا لعدة عوامل، منها؛ شعور الحرية والمساواة وشعور الانسان بأنه يشارك في بناء حاضره ويمارس دوره الطبيعي في صنع مستقبلة.
قد نكون اليوم بأمس الحاجة الى اعادة قراءة كثير من الامور والسياسات التي ترتبط وتحدد طبيعة سلوكات البشر، السياسية منها والاقتصادية.
نعم ان السعي لتطبيق فكرة التعايش يجب أن يكون الهدف الأساسي، لكن فكرة التعايش هي فكرة فطرية وليست أساسا تبنى عليه المجتمعات الحديثة. التعايش في مناخ يسعى كل واحد لاستهداف الآخر واقتناص فرصة فرض سطوته عليه هو أشبه بتعايش الغاب المبني على مبدأ القوة والمراوغة.
ما نريده اليوم هو اشعار الانسان بانسانيته وبقيمتها الحقيقة في مجمل ممارساته الطبيعية، من أبسطها التي يمثلها حقه في عبور الشارع بسهولة وحقه بوجود أماكن مخصصة للمشاة من دون ان يشعر بأنه يخوض واحدة من أخطر المعارك الوجودية طبعا وصولا الى حقوقه الطبيعية في التعبير عن الراي والتعليم والصحة، ولكم في ممارسات المدارس والمستشفيات الخاصة عبرة شبه يومية. لكن؛ وبرغم المشاكل الكثيرة التي تطفو على سطح المجتمع، الا أن التحديات التي تواجهنا اليوم كأردنيين لا بد أن تشكل الحافز لدينا جميعا أن نسعى جاهدين لتتواصل أفكارنا وتتقارب عقولنا وتتشابك أيدينا سمراء كانت أم بيضاء، وتتعانق معتقداتنا وأفكارنا برغم اختلافاتها، طالما أيقنا أن مصيرنا على هذه الأرض هو مصير مشترك والتحديات والأخطار التي تحدق بنا واحدة.