لا بأس بالردود العديدة على ما كتبت سابقا، وتطرقت في جزء منه إلى المفاعل النووي الأردني. لا بأس بها، حتى ولو كان بعضها غاضبا؛ فهذا يعلي من شأن الجدل والنقاش حول هذا المشروع.
المشكلة أن الذين ردوا عليّ، سواء على الصحيفة، أو عن طريق الهاتف معي ومع زملائي، قرأوا المقالة من زاوية واحدة، ورأوا فيها "تخوينا" لمن يعارض المشروع؛ وهذا كلام عار عن الصحة. فنحن نعلم أن هناك وطنيين عديدين يعارضون هذا المشروع لمخاوف بيئية، وأخرى تتعلق بمعايير السلامة، وهؤلاء فوق الشبهات، ولا يمكن الطعن فيهم.
لنعترف ابتداء، أن هذا النوع من المشاريع جدلي بامتياز، وفي كل دول العالم، فلا يمكن أن تحوز رضا الجميع. ولكن، في الأساس، أنا تحدثت عن المعركة التي تخوضها إسرائيل لإحباط هذا المشروع، وهي معركة تدور في جميع مدن صنع القرار، وَظفت فيها دبلوماسيين وكتابا وصحفيين، من أجل إظهار أن الأردن ليس أهلا لامتلاك مشروعه النووي.
في فيينا، يتم نبش موضوع المشروع الأردني باستمرار، فيما مصانع القرار الأميركي وقفت ضده بشدة، بتأثيرات من اللوبي الصهيوني. كل ذلك كان من عمل إسرائيل، وقد اعترف المسؤولون الأردنيون بالضغط الهائل الذي تمارسه دولة الاحتلال في هذا المجال.
مقالي السابق كان عن توظيف الإعلام، وعما كتبته إيفيلين فريدة من إذاعة هولندا، وهي تتحدث عن الأردن، الذي تصفه بأنه "مملكة الخوف" الذي "يعيش سكانه في رعب دائم". من قرأ تلك الكتابة سيكتشف حجم الزور والتشويه الذي استقصته من أجل أن تختم كتابتها بالإشارة إلى المشروع النووي، والذي تسميه "مشروع الفساد".
إن هذا النوع من الكتابة المسمومة التي أبدتها الكاتبة، والتي حذرتُ من الانسياق وراء ادعاءاتها، يظهر ما ذهبتُ إليه وقتها. لكنني لم أربط أردنيين بالجهود الإسرائيلية لإجهاض المشروع، حتى عندما قلت إن "إسرائيل وظفت العديد من الجهود في الخارج، وفي داخل الأردن". ولا يمكن اتهامي بتخوين معارضي المشروع، إلا إذا كانت هناك نية مسبقة للقفز إلى هذه النتيجة؛ فأنا لم أقل إنها وظفت أردنيين، بل جهودا في الأردن.
معارضة المشروع، أو تأييده، حق لأي مواطن ما داما ينطلقان من أجندة تعلي من المصلحة العامة، ولا يمكن لهذا الحق أن يكون مثار تشكيك، حتى لو جاء بعكس ما نهوى.
كما قلت في بداية مقالي هذا؛ لا بأس بالجدل، فربما نتوصل من خلال ذلك إلى فهم أكبر حول هذا المشروع، ونتبين إيجابياته وسلبياته، شريطة أن يبقى الجدل في سياقه الموضوعي. وعن نفسي، فأنا أملك العديد من الملاحظات على المشروع الأردني، وقد كتبت ضده قبل سنوات قليلة، عندما كانت الشفافية تغيب عن العديد من مفاصله. وحينها، بالتأكيد، لم أكن ضمن الذين وظفتهم إسرائيل في هذا السياق، وإنما مارست قناعاتي، كما يمارس المعارضون اليوم قناعاتهم.