الشعوبُ تملكُ بلدانَها، لا قادةٌ أتوا على ظهر دبابةٍ أو ظهر بيانٍ أو بتهديدٍ بفتنةٍ تطالُ وحدةً وطنيةً أو بتوريثٍ مزوَّرٍ. الشعوبُ تملكُ مصائرَها....هذا حقُّها البسيطُ والمباشرُ والمفروغ منه. لايملك أحدٌ، كائناً من كان، أن يحوِّلَ شعباً إلى خِرافٍ. ولكنَّه حصل!! لا يملك نظامٌ أن يتصرَّف بأموال الناسِ وبأرواحِها وبكرامتها.. ولكنه حدث!! لا يحقُّ منذ خلق اللهُ الأرضَ وما عليها أن يتحوَّل ناسٌ إلى خدمٍ وعبيدٍ عند ناسٍ أخرى، فقط لأن الأخرى تملك السيف والقوة وتملك من ثمَّة الخيراتِ والأنعامَ... ولكنه يجري!! وهو تماماً الذي يجري في بلداننا العربية التي تفاهمت أنظمتُها على كيفَ تُميتُ شعوبَها ثمَّ تحييها على أكذب الوعود، وأرخص المكافآت.. كيف تحشرها في مصانع الخوفِ والخيبة والأميَّة والفقر لتخرجَ منها قطعانٌ أليفةٌ مدجَّنةٌ، بأظلافٍ لكن بلا مخالب. بأفواهٍ تموء لكن لا تتكلم. قطعان راضية، وتظنُّ أنه قدرُ الله وقضاؤه، فتلجأ إلى الغيب تستندُ به حتى لا تقعَ في اليأس، وإلى الإيمان تتلطَّى به من بردِ الفاقة وصقيعِ اليأس، وإلى العنف ثمَّ الإرهاب تكيل الصاعَ بألف، بعد أن تفقد بوصلتها وأهدافها الحقيقية.
الشعوبُ تملكُ أرواحها، تلكَ التي سيَّلها كشربة ماءٍ على ترابٍ متعطشٍ نظامٌ أمِّيٌّ و متوحشٌ. الشعوب حرةٌ أن تملِّك هذا وتنصِّب ذاك. حرةٌ أن تقول لزعيمٍ اهترأ كرسيه ونظامُه: مع السلامة... حرة أن تدير ظهرها للتأخر والفجائعِ وحكم الظلام. حرة أن تقول: كفى... كفاية.... بكفّي.
أكتب والغضبُ يطيِّرُ صوابي مع الكلمات التي تتناثر حول رأسي تناثُرَ الجثث والأشلاء في تونس وساحة التحرير وبنغازي. تتناثر في جسدي مثل رصاصٍ مطاطي اقتلعَ عيون الشبابِ الجميل، ولا يكفُّ عن اجتياحِ الأفئدة. ثمة – يا إخوان -مجازر حقيقية، تحولت فيها مدن بكاملها إلى مسالخ مزدحمة بالجثث. في بنغازي الآن وفي البيضا ودرنة وطرابلس!! هل هي فلول نظام تحكم...؟ ما الذي يجري إذن؟؟ أين وعود الخير وبشائرُ الغيث؟ أين أشقاؤنا أولئك الذين مضوا بعيداً في شوط الحرية، وأولئك الذين بدأوا منذ أيام ولكن "النظام ما يزال يُحكِمُ قبضته"!!! أين صُمِّمَت هذه القبضاتُ ؟ ومن أيِّ مادة صُنعت؟ قبضاتٌ شيطانيةٌ وأخرى جحيميةٌ وأخرى مراوغة !!!
وما نوع هؤلاء الطغاة الذين بدمٍ باردٍ يطيحون بشعوبٍ كاملةٍ في حفر التخلُّفِ المريعِ والفقر والجهل بينما أنهار الذهب في رمالها؟
رياحُ الثورات هبَّت، ولن تترك في بعضِ بلدانها أخضر ولا يابساً.