أخبار البلد
لا يمكن للاصلاح الاقتصادي ان يستقيم أمره أو ان يؤتي أكله دون العمل على خطين متلازمين .. الاول في اتجاه « ضغط النفقات « والآخر في اتجاه « زيادة الايرادات « واكبر ابوابه « جذب الاستثمارات « .
وإذا كانت الحكومة قد قطعت شوطا مهما باجراءاتها من اجل ضغط النفقات والمصروفات ، كركن اساسي من اركان الاصلاح الاقتصادي ومعالجة عجز الموازنة، فانه في المقابل لا بد من بذل المزيد في الركن الاخر وهو العمل على زيادة الايرادات من خلال رفع معدلات النمو الاقتصادي ، وفي مقدمة عوامله المؤثرة جلب الاستثمارات وتشجيعها ، وهي - وفقا للارقام والمعطيات الاقتصادية المتوفرة - قد حققت في هذا الجانب ايضا انجازات ماثلة على ارض الواقع من خلال ما تحقق في المناطق الاقتصادية بدءا من « العقبة الخاصة « ومرورا بباقي المدن التنموية الاخرى .المعضلة في ملف جذب الاستثمارات انه كملف متكامل يحتاج الى تضافر الجهود ، فاذا كانت الحكومة تملك معظم - ان لم يكن جميع - تفاصيل ملف « ضغط النفقات الحكومية « ولذلك فهي قادرة على تنفيذه مفصّلا ، الا ان رفع معدلات النمو من خلال جذب الاستثمارات تملك الحكومة اجزاء هامة منه في حين يملك القطاع الخاص اجزاء اخرى لا تقل اهمية ، ويملك المواطنون انفسهم اجزاء اخرى اكثر اهمية ، على اعتبار ان المواطن هو الركيزة الاساس لاية تنمية .
فالحكومة بيدها توفير البنية التحتية اللازمة لجذب الاستثمار - وقد وفرت وما زالت تعمل على توفير ذلك حيثما لزم الامر - اضافة الى توفير التشريعات اللازمة - وهناك مشروع قانون للاستثمار بانتظار مناقشته في مجلس النواب اضافة الى مشروع ضريبة الدخل المرتبط به بصورة او باخرى ، في حين يتوقع من القطاع الخاص ترجمة كل الاتفاقيات الموقعة مع كثير من الدول الصديقة والشقيقة للاستفادة من المشاريع المشتركة الجاذبة للاستثمارات الصناعية والتجارية خاصة في قطاعات الطاقة والنقل والمياه وغيرها من المشاريع الكبرى .
النقطة الاهم والدور الاكبر يقع على كاهل المواطنين ودورهم كأداة عون وجذب للاستثمارات ، لا أداة طرد من خلال ما يحدث هنا او هناك وتزايدت حدته في الآونة الاخيرة من اعتصامات واضرابات عمالية خرجت عن حدود المطالبات الحقوقية المعقولة وباتت تؤثر سلبا - ليس على جذب الفرص الاستثمارية الجديدة والموعودة فحسب - بل باتت تهدد بقاء مشاريع قائمة صار اصحابها يرون في تزايد هذه الاعتصامات وخروجها عن لغة الحوار والعقلانية الى درجة تضر بالانتاجية والربحية وبالتالي باتوا يعيدون النظر في دراسة جدوى الاستثمار برمته .
هناك شركات عالمية واقليمية لديها استثمارات نوعية بمئات الملايين من الدولارات في المملكة فكرت وتفكر جديا بنقل استثماراتها من المملكة بسبب اعتصامات واشكاليات و» مناكفات « ليس من المعقول او الممكن السماح لها بالاستمرار او السكوت عليها على حساب تلك الاستثمارات وتهدد في حال استمرارها بخسارة على مستوى الوطن وحتى المواطنين ممن توظفهم تلك الشركات . لا يمكن ان يتم السماح بهدم استثمارات تبذل من اجل جذبها وابرام عقودها سنوات وسنوات وتوظف اللآلاف من اجل مصلحة عدد محدود لا ينظر لمصلحة الوطن ولا مستقبل ابنائه . خلال السنتين الماضيتين شهدنا وما زلنا نشهد اعتصامات عمالية لعاملين ومتقاعدين في صروح اقتصادية تمثل لبنة من لبنات الاقتصاد الوطني وركيزة من ركائزه - ان على صعيد التجارة الخارجية او على رأس قائمة الصادرات الاردنية او على صعيد ما تشكله تلك الصناعات من زيادة في معدلات النمو والناتج المحلي ، وقد استجابت تلك الشركات لمطالبات عمالية عديدة بل وزادت في احيان كثيرة عليها ، الا ان البعض - ربما- اساء فهم تلك الاستجابات للمطالبة بمزيد من المكاسب والتنازلات - بغير وجه حق - بما يضر بالاستثمار القائم او الممكن ان يكون، حيث باتت مثل هذه الاعتصامات تشكل تغولا على هيبة الدولة المطالبة بالحفاظ على المكتسبات الاقتصادية وعدم المساس بها وتعريضها للخطر .
المرحلة الاقتصادية الحرجة باتت تتطلب اعادة هيبة الدولة في كل القطاعات ووضع حد لاية تجاوزات خاصة حين يتعلق الامر بالاستثمارات ، وحين يصر البعض على تجاوز لغة « الحوار» الى « الاضرار» بمصالح الوطن .