أخبار البلد -
بعد تصاعد الحديث عن هجوم أمريكي محتم على سوريا ، وإبحار البوارج الأمريكيّة إلى المتوسط " نُقل " عن الرئيس الأسد الكلمات التالية ، والتي قالها في أحد إجتماعات الإستعداد لصدّ الهجوم الأمريكي : منذ بداية الأزمة ، وأنتم تعلمون جيداً أننا ننتظر اللحظة التي يُطلّ بها عدونا الحقيقي برأسه مُتدخلاً . وأعرف أن معنوياتكم مرتفعة وجاهزيتكم كاملة لاحتواء أي عدوان والحفاظ على الوطن . ولكن أطالبكم بأن تنقلوا هذه المعنويات إلى مرؤوسيكم والمواطنين السوريين . فهذه مواجهة تاريخية سنخرج منها منتصرين . في هذه الكلمات دلالات كثيرة ، وفي رأيي أهمها على الإطلاق - والذي لم ينال حقه في النقاش - هو ما تحمله جملة ( أنتم تعلمون جيداً أننا ننتظر اللحظة التي يطلّ بها عدونا الحقيقي برأسه متدخلاً ) لأن هذه الجملة تفسر جزء هائل من سلوك وتصرفات القيادة السوريّة كان غير مفهوم حتى قيلت ، وتضيء على جزء من الجانب " الخفيّ أو السريّ " من الإستعدادات السياسيّة والدبلوماسيّة ، وخصوصاً الميدانيّة السوريّة لمواجهة هذا العدو المُنتظر أن يُطل برأسه منذ خمسة وثلاثين شهراً ! .
* إن كانت الحرب ،،، فأهلاً وسهلاً بها :
جاءت أمريكا ، وأطلت برأسها ، ومدّت أذرعها حول سوريا ، وهيأت الجبهات المُحيطة ، في تركيا والأردن ولبنان والكيان الصهيوني وصولاً إلى البحر المتوسط . سوريا تنتظر هذا اليوم ، بل لنقول كان الرئس بشار حافظ الأسد ينتظر بشوق شخصي خاص هذا اليوم . ألم يقُلها منذ اللحظات الأولى من الحرب " إن كانت الحرب فأهلاً وسهلاً بها " ؟ ، هو يدرك جيداً أن تكلفت الحرب باهضة جداً إنسانيّاً وإقتصاديّاً وعسكريّاً لكنّ واحدة من أقصر الطرق لإعادة رسم الخرائط في المنطقة ، وتطهير جزء كبير من المشرق العربي وجزيرة العرب ، وخروج سوريا من دائرة الحرب عليها ومن جراح أزمتها الداخلية ، هو الذهاب إلى " الحرب المقدسة " ضد أمريكا والكيان الصهيوني وعملائهم في المنطقة . لقد كانت سوريا وحزب الله وجزء كبير من الفصائل الفلسطينيّة جاهزون للدخول في حرب تُشعل المنطقة ، فتمسح " دول " عن الخارطة ، وتُسقط أنظمة ، وتحرر أراضِ مهما إرتفعت الكلف ، وغلت الأثمان ، أما إيران فقد تكلّفت بمسرح آخر ، وبتوقيت معين .
* إبلعها وأصمت ،،، وسنجد لك المخرج :
كان واضحاً أنّ أوباما وحلفائه الصغار والكبار وأدواته الرخيصة في مأزق حقيقي ، على المستوى الشخصي وعلى مستوى المشروع . وأنه ربما يُقدم على عمل " أحمق ، إستعراضي ، إجرامي " حتى بعد أن أعلنت سوريا - قيادة ، جيش ، شعب ، حلفاء - بأنها سترُد حتماً ، وبأن الردّ الأولي سيكون في قلب الكيان الصهيوني ، وسيطال أي دولة أخرى جارة لسوريا ستشارك في العدوان - لنتذكر هنا تصرحات السيد وليد المعلم والأستاذ فيصل المقداد وآخرين - ، أي أن أوباما كان يراهن على تردد القيادة السورية في الردّ ، حتى بعد " رؤيته " لعدة إستعدادات ميدانيّة أتخذت بهذا الصدد ، وكان مقصوداً أن يراها ، وبعد إرسال قاذفتي " سوخوي " سوريتين فوق جزيرة قبرص . ولكن الروسي كان متيقناً من هذا الرد ، بل كان يعرف الكثير من تفاصيله . فكانت مسؤليته مضاعفة ، يعرف أن الرد سيكون حتمي وقاس ، والأمريكي لا يريد أن يَقتنع ، وهو لا يستطيع أن يقف مكتوف الأيدي ، ولكنه مُصرّ على إذلال الأمريكي ولكن دون أن تتأذى سوريا ، كلّ ذلك في ذات الوقت ، ولنتذكر هنا بتمعن التصريح " المصيدة " للافروف " روسيا لن تقاتل عن أحد " . في 28 / 8 / 2013 تُعلن قيادة الأركان العامة الروسية أن القيادة المركزية للقوات الروسية تراقب وتحلل تطور الأوضاع حول سوريا ، وقالت " إننا نستخدم بهذا الصدد الاقمار الصناعية بهدف مراقبة المواقع المفترضة ، وكذلك سفن الاسطول الروسى العاملة هناك بالإضافة الى مصادر أخرى لجمع المعلومات " . بعد أسبوع ، يُطلَق صاروخين من عرض المتوسط ، وفي الدقيقة الأولى يتم إلتقاطهما عبر منظومة الإنذار المبكر الروسية ، وبعد عدة دقائق يتم إسقاط أحدهما ، ويتم السيطرة على الآخر فيُحرف عن مساره ويتم إسقاطه . يَعرف الأمريكي أن ما حصل فعل روسي خالص ، وأن هناك قرار إتُخذ بمنع شنّ أي عدوان على سوريا ، والمبرر السياسي الروسي لهذه الفِعلة كان " كُنّا مضطرين لذلك لأننا على ثقة تامة من ردِ سوريِ قاسِ ، ردّ يبدأ في سوريا وقد لا نعرف أين ينتهي " ، وسوريا تعني لنا الكثير ، لا " تغضبوا " سنبحث لكم عن مخرج ، فكانت قصة نزع السلاح الكيمائي السوري .
* روسيا تُلمّح ،،، الأسد يُصرّح :
قبل أيام قليلة جُمع الإعلاميين في ميناء اللاذقية لتوثيق قيام زورقين صاروخيين سوريين بإستقبال سفينة الإنزال الروسية " نيكولاي فيلتشينكوف " عند حدود المياه الإقليمية السورية ، ورَصد هذا وصولها " الكرنفالي " لميناء اللاذقيّة . وكانت " نيكولاي فيلتشينكوف " غادرت قاعدة أسطول البحر الأسود في مدينة سيفاستوبول ، متوجهة إلى ميناء " نوفوروسيسك " لتأخذ هناك ما " ستحمله " إلى شواطئ سوريا . ولهذة الزيارة رسائل منها :
1 - أن زحمة البوارج والغواصات والطرادات الروسيّة في المتوسط حقيقة ماديّة وسياسية وإستراتيجيّة ممنوع تجاوزها .
2 - " الإحتفال " بكبت النوايا العدوانيّة الأمريكيّة ، و" إجبارها " أن تجلس على طاولت " تسويات " ستكون هي وحلفائها الخاسر الأكبر فيها .
3 - سفن الإنزال الكثيرة التي وصلت الموانيء السوريّة حملت معها كميات كبيرة من أسلحة نوعيّة وإستراتيجيّة ترضي الشغف السوري بالسلاح ، وتُسهّل " رسم " مستقبل المنطقة لاحقاً .
4 - رسالة " شكر " روسيّة حارة لسوريا ، فمعرفتي المتواضعة تقول ، إن المُضيف هو من يطلق (21) طلقة إستقبالاً لضيفه ، لكنّ البوارج الروسيّة والسوريّة أطلقت هذه الطلقات " الإحتفاليّة " معاً ، وهذا مؤشر هام جداً .
5 - قيام 200 جندي روسي بوضع أكاليل من الورد على ضريح الرئيس الراحل حافظ الأسد ، يُعيد إلى أذهاننا مباشرة ثنائية حافظ الأسد - أندربوف ، الذي قال يوماً " ممنوع سقوط حافظ الأسد " وفتح له مخازن السلاح السوفييتي . وما أشبه اليوم بالأمس .
بعد أربعة وعشرون ساعة من هذه الزيارة الإحتفاليّة يأتي التصريح " العسكري الإستراتيجي " الأعنف والأقوى من رأس القيادة السوريّة على إمتداد الحرب على سوريا ، حيث قال الرئيس بشار حافظ الأسد - طبيب العيون المحارب - : لدينا اليوم أسلحة ردع أكثر أهمية وأكثر تطوراً حيال إسرائيل التي يمكننا أن نعمي بصرها في لحظات ، ومستوى التنسيق والتعاون مع روسيا غير مسبوق ، وأن الروس قاموا ولا يزالون بواجبهم على أكمل وجه . لم يُقصّروا معنا . لدينا تعهدات روسية كاملة بأن القوات الروسية ستدخل بقوة في أي حرب تُشن ضد سوريا . وأن القوات الروسية ستنزل على الأرض ، إلى الميدان ، ستقاتل من على الأرض السورية .
هذه هي الصورة الحقيقيّة للمشهد الحالي ، نصر سوري بَزغ ، شراكة سوريّة - روسيّة بمستويات غير مسبوقة ، حلف مقاوم وضع على المحك وكان بحجم التحديات وأكثر . وفي المقلب الآخر ، أمريكا وحلفائها في طور التقهقر والتراجع ، ويتجرعون سمّ الهزيمة بأيد سوريّة - روسيّة - إيرانيّة ، ولكن على مهل . وقتال ضروس بين حلفائها الإقليميين والدوليين عبر أدواتهم في الداخل السوري - داعش ، لواء التوحيد ، لواء عاصفة الشمال ، الجيش الحر - إنهم يتصارعون لحجز مقعد حول طاولة التفاوض ، ومن أجل الحصول على " ورقة " تضمن البقاء ، فما حصل لحمديّ قطر ، ومرسي العياط يُرعبهم فعلاً .