نزيه القسوس
موظفو وزارة العدل معتصمون منذ حوالي أسبوعين وهم يطالبون بحقوق يعتقدون أنها مهضومة ويقولون: إن وزارتهم تعتبر الوزارة الثالثة بعد دائرة الجمارك ودائرة الأراضي التي تدخل الأموال إلى خزينة الدولة من عائدات التنفيذ القضائي وهم إذ يطالبون ببعض الحوافز فإن هذه الحوافز لن تدفع من خزينة الدولة بل من عائدات التنفيذ القضائي وهي بالملايين.
يقول هؤلاء الموظفون بأن عملهم يختلف عن باقي العمل في الوزارات والدوائر الحكومية والمؤسسات العامة فالموظفون الذين يعملون في المحاكم مؤتمنون على ملفات القضايا التي قد يبلغ حجم بعضها عدة ملايين من الدنانير فهم الذين يحفظون المستندات الخاصة بكل قضية والملفات تظل بحوزتهم ولا يراها القاضي إلا حين إنعقاد الجلسة وهم يعملون طيلة ساعات العمل الرسمي بشكل كثيف جدا لأن عملهم لا يحتمل التأخير أبدا فملف أي قضية يجب أن يكون جاهزا في موعد الجلسة عند القاضي كما أن الموظف في المحاكم يتحمل مسؤولية كبيرة ويجب أن يحافظ على سرية عمله وقد يتعرض لإغراءات مادية كبيرة من بعض أطراف التقاضي للحصول على مستند أو وثيقة معينة من ملف إحدى القضايا.
الموظفون المعتصمون يعطون بعض الأمثلة عن طبيعة عملهم فيقولون بأن الطابعة في أي وزارة أو دائرة حكومية أو مؤسسة عامة قد تطبع خمسة كتب رسمية أو حتى عشرة في اليوم بينما الطابعات اللواتي يعملن مع القضاة قد تطبع الواحدة منهن أكثر من خمسين صفحة في اليوم وهي لا تستطيع مغادرة عملها ولو لدقيقة واحدة ما دام القاضي ينظر في القضايا الموجودة أمامه ويستدعي طرفي التقاضي.
نحن قد لا نكون مع أسلوب الاعتصامات من أجل الحصول على بعض المطالب أو لإشعار الجهات المعنية بالظلم الذي يعتقد المعتصمون أنه يقع عليهم بل مع لغة الحوار والجلوس إلى الطاولة لعرض المطالب لكن يبدو أحيانا أن أصحاب القرار يصمون آذانهم ولا يريدون أن يسمعوا وهذا ما يضطر الموظفين إلى الاعتصام من أجل توصيل مطالبهم إلى أصحاب القرار.
رواتب موظفي وزارة العدل هي بلا شك رواتب متدنية ولا تتناسب مع حجم وخطورة وأهمية العمل الذي يقومون به وهم تابعون لنظام الخدمة المدنية لكنهم مع الأسف لا يعاملون حسب هذا النظام فعلى سبيل المثال لا الحصر إذا ما اشتكى مواطن على أحد موظفي أي وزارة أو مؤسسة من مؤسسات الدولة واتهمه بالرشوة فإن الوزارة أو المؤسسة تشكل لجنة تحقيق لهذا الموظف فإذا ثبت لهذه اللجنة أنه مرتشٍ بالفعل فإنها تقوم بتحويله إلى المدعي العام أما في وزارة العدل فإن أي شكوى ضد أي موظف حتى لو كانت شكوى كيدية فإن هذا الموظف يحول رأسا إلى المدعي العام مخالفين بذلك نظام الخدمة المدنية.
بقيت نقطة أخيرة وهي أن نظام الدخول للمعهد القضائي عدل؛ إذْ لا يسمح للموظف في وزارة العدل أن يدخل هذا المعهد ليصبح قاضيا إذا كان معدله في التوجيهي أقل من خمسة وسبعين ومعدله في الجامعة أقل من جيد وعمره أكثر من خمسة وثلاثين عاما ولم ينظر إلى خدمة هذا الموظف وخبرته القضائية أو تاريخ تعيينه إذا كان قبل تعديل نظام المعهد القضائي.