اثار تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي الذي صدر الاسبوع الماضي زوبعة من التساؤلات بين مختلف الاوساط، لا بل بين بعض اعضائه ايضا بسبب السقف العالي الذي تمتع به التقرير في رصده لمظاهر الاختلالات في الدولة خلال السنوات القليلة الماضية.
لم يعتد الاردنيون على ان تقوم مؤسسة رسمية بالخروج عن النسق العام للخط السياسي للحكومات، والتحدث بلغة قريبة من لغة الشارع، لذك خرج رئيس المجلس بتوضيح اعلامي عن ما احتواه التقرير لتخفيف حدة النقد الذي تعرض له المجلس من قبل بعض النخب.
لا يعيب على المجلس ان يوجه انتقادا للسياسات الرسمية التي الحقت اذا اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا بالاردنيين، ولا يقلل من الدور المناط به ولا بالجهد الذي بذله في تعزيز الحوار في المجتمع على مختلف القضايا المثار الجدل حولها، ولا يبخس من قيمة التقرير الذي اصدره في 759 صفحة تناولت معظم نواحي الانشطة التي سادت في المجتمع، وتطرق لكل السياسات والبرامج المعمول بها.
التقرير الذي اعدته نخبة من الباحثين والمسؤولين تطرق وبشكل ملفت الى قضايا لم يكن الحديث عنها في السابق مسموحا، مثل هيبة الدولة ومسالة الولاية العامة والدور المتنامي لكل من الديوان الملكي وجهاز المخابرات العامة.
هذه المظاهر لم تعد خافية على احد، فقد كانت حديث الشارع والنخب معا خلال السنوات الماضية، تصارع المؤسسات، وهو الامر الذي حد منه جلالة الملك ووضح حدودا لتلك المؤسسات، وقد تدخل مباشرة في اعادة التوازن بين السلطات، وعدم السماح بتغول سلطة او مؤسسة على اخرى، ومن يقراالورقةالملكيةالثالثةفان هدفهاالاساسي هوتحديدالصلاحيات لكل المؤسسات بلااستثناء.
التقرير تحدث عن تراجع هيبة الدولة من خلال فقدان الحكومة لولايتها العامة على ادارة شؤون الدولة لصالح مؤسسات اخرى، وهو امر شاهدناه ولم يكن خفيا، فللاسف كان بعض رؤساء الوزراء السابقين ورغم الدعم الملكي المباشر لهم الا انهم تنازلوا عن صلاحياتهم لمسؤولين اخرين في مؤسسات تحت مظلة الحكومة، لا بل انهم جعلوا بسياساتهم بعض المسؤولين فوق القانون، وتدخلوا في اعمال خارج اطار قانون عملهم الاصيل، فتدخلوا في الانتخابات والتعيينات وكل قرارات الحكومة، والنتيجة ان هيبة الدولة كانت في تراجع.
هذا الامر دفع برؤساء الوزراء في المرحلة الاخيرة الى التاكيد في بياناتهم ان الولاية العامة للحكومة وليس لاي مؤسسة اخرى، واي جهة او هيئة يجب ان تكون خلف الحكومة لا امامها كما قال الدكتور عبد الله النسور لحكومة البخيت عندما كان نائبا.
التقرير تناول قضايا وطنية بواقعية عالية، وبسقف وجرأة لم نعده من المؤسسات الاستشارية الرسمية، التي اشبعتنا في السابق مديحا بكل السياسات، وكاننا نعيش في مدينة فضلى لا اخطاء فيها ويحرم النقد لاي سياسة او اجراء.
المرحلة الراهنة بتحدياتها وافقها، تتطلب نصحا وطنيا لا «تسحيجا «، فكفانا ضحكا، نعم هناك أخطاء حدثت وارتكبت عن قصد او دون قصد، يجب ان نعترف بذلك ونبدا فورا باخذ العبر والدروس من تلك الاخطاء، واعداد الحلول التي تجنب المملكة تلك الاختلالات وتحافظ على الامن والاستقرار في المجتمع، وتدفع بالتنمية المستدامة، وتعزز الاصلاح المبني اساسا على الحوار الوطني البناء.
سلامة الدرعاوي