طالب مجلس النقباء الموقر من شركة البوتاس وقف اتصالاتها مع الكيان الصهيوني المتعلقة بمحاولة الاتفاق على نظام لاستيراد الغاز الإسرائيلي لتشغيل الشركة التي تعاني من مشاكل كبيرة في مصادر الطاقة التشغيلية تماما مثل كافة مرافق الدولة الأردنية والمصانع والمؤسسات العامة والخاصة بعد انقطاع الغاز المصري ثم تراجع كميات التدفق.
شخصيا أحيي النقابة على موقفها المناهض للتطبيع وما قامت به هو الدور السياسي المطلوب منها، مع أنني كنت أفضل أيضا أن تقوم النقابات والتي تتمتع في غالبيتها بحضور واسع للتيار الإسلامي بإرسال رسالة إلى الرئيس المصري والحكومة المصرية حول أهمية إعادة ضخ الغاز المصري بنفس الكميات المتفق عليها مع الأردن وذلك لتجاوز أزمة الطاقة الكبيرة التي يعيشها المواطن الأردني وكذلك المصانع التي تعاني من كلف تشغيلية عالية بسبب انقطاع الغاز.
هذا على الصعيد السياسي أما على الصعيد المهني الذي يشكل اساس وجود النقابات فكنت أتمنى أن تشمر النقابات عن سواعدها وتستثمر خبرات أعضائها في العمل الجاد لتطوير تقنيات وطنية ورخيصة من الألواح الشمسية ومصادر الطاقة الجديدة، وربما يحدث هذا الأمر بعد أن تنتهي النقابة من أولوياتها في مقاومة التطبيع والمطالبة بالإصلاح السياسي في الأردن وهدم خيم المهندسين المعتصمين بسبب فصلهم من النقابة!
في كل الحالات ستبقى مشكلة الطاقة مستمرة وتستمر المصانع في دفع كلف تشغيلية عالية لمدة طويلة على ما يبدو نتيجة الأحداث في المنطقة. الأردن الذي يعاني من كونه الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط الآسيوي بدون موارد نفطية على مستوى تجاري سيعاني أيضا من كونه الدولة الوحيدة غير المستفيدة من الاكتشافات الجديدة لحقول الغاز الطبيعي في شرق البحر الابيض المتوسط. الاكتشافات الأخيرة للغاز الطبيعي في لبنان وسوريا وقبرص وسواحل فلسطين ستغير الكثير من معادلات القوة والتوازنات السياسية في المنطقة وللأسف ستكون لصالح إسرائيل.
تشير الدراسات الاستكشافية التي قامت بها شركات أميركية وبريطانية أن كميات الغاز الطبيعي في البحر المتوسط ضمن "المياه الإقليمية لإسرائيل” تكفيها لحوالي 200 سنة مع وجود نسب كبيرة للتصدير وهذا سينقل إسرائيل إلى مصاف الدول المنتجة للطاقة ويعطيها ميزة إضافية كبرى. في لبنان هنالك مناطق للغاز الطبيعي في مياه متنازع عليها مع إسرائيل وأخرى في مياه لبنان الإقليمية. في سوريا كميات اقل من الغاز الطبيعي ولكنها كافية لتثير شهية الكثير من الدول للتدخل في مستقبل سوريا ومن ضمنها روسيا والولايات المتحدة. في قبرص سيكون الصراع كبيرا بين تركيا واليونان على تحقيق الاستفادة الأعظم من الغاز الطبيعي قبالة الجزيرة المقسمة سياسيا بين الدولتين الكبيرتين.
الأردن بحاجة إلى مصادر بديلة من الغاز الطبيعي مع استمرار الأزمة في مصر وتراجع تدفق الغاز ستحتاج الحكومة للبحث في عدة خيارات من ضمنها قطر وروسيا. وبعد ظهور الغاز في سواحل المتوسط فإن الأردن قد يضطر للدخول في مفاوضات لاستيراد غاز طبيعي بالحد الأدنى من الشروط السياسية من الدول التي تقوم بانتاجه تجاريا في السنوات المقبلة ومن ضمنها إسرائيل.
تحدي الطاقة في الأردن مشكلة كبيرة أمام الجميع ومن ضمنها النقابات المهنية والتي نشكرها على موقفها الوطني نطالبها بالمزيد من النشاط في تحمل مسؤولية إخراج الأردن من حالة تبعية الطاقة نحو إنتاج نسب كافية من الطاقة المحلية لوقف الاعتماد على الدول الأخرى وشروطها السياسية السيئة.