انتهت مرحلة الانتخابات البرلمانية، وأفرزت لنا 150 نائبًا يعملون الآن من تحت القبة ممثّلين للشعب. هنالك 26 طعنًا انتخابيًا أمام محاكم الاستئناف للنظر في نزاهة عملية فرز نتائج التصويت لبعض النواب. والمجالي عدل عن استقالته، المقدّمة للمجلس النيابي احتجاجًا على بعض الاختلالات التي شابت العملية الانتخابية؛ مراعاة لخاطر جاهة النواب التي قادها السرور إلى منزله. أول ما فعله النواب المحترمون هو استفتاء المحكمة الدستورية في شأن تقاعدهم. والمشاورات جارية على قدم وساق من أجل اختيار رئيس الوزراء القادم وتوزير بعض النواب. الأسماء المطروحة من المجلس ليست جديدة؛ فكلها شخصيات أدارت البلد من قبل في مواقعَ مختلفة، ولها ما لها وعليها ما عليها. هذا الأسبوع حاسم جدًا في تقرير الواجهة السياسية للدولة الأردنية للأربع سنوات القادمة، وفي إقناع أنفسنا أننا مارسنا الديمقراطية من أوسع أبوابها، وأجرينا التغيير والإصلاح اللازمين. بعد اختيار رئيس الحكومة القادم واختيار الوزراء، سيُعيّن رئيس مجلس الأعيان ومن ثم تُعلن أسماء أعضائه. وطبخة الأعيان ما زالت على النار؛ أو على الأقل جزء منها. كل المعلومات التي تدور في الفلك تشير إلى أن الأسماء التي اختيرت أو التي تُدرَس الآن تؤكد أننا ما زلنا ندير الأمور بالعقلية القديمة إياها التي أدّت إلى ظهور "الربيع" العربي وخروج الناس إلى الشارع وظهور الحراكات في المحافظات. صحيح أننا مارسنا الديمقراطية وانتخبنا نوابًا أكثر من ثلثهم مكرّر، وأجرينا تعديلاتٍ دستورية، كما سنحاول من تحت القبة دراسة بعض القوانين، وممارسة الرقابة التشريعية على الفساد، والمُساءلة؛ لكننا ما زلنا في المربع الأول عندما نتذكر أن مديونية الأردن أصبحت 26 مليارًا، وأن البطالة تجاوزت 15%. نصف أصحاب المحال التجارية والشركات في شوارع العاصمة أخلوْا محالهم أو على وشك. بعضهم نقل مكان عمله إلى شارع آخر، أو توقف عن العمل لما لحق به من خسارة لم تعد لديه القدرة على تحملها. ويعود سبب ذلك إلى الركود الاقتصادي، وإلى رفع إيجار المحال خمسة أضعاف أو أكثر نتيجةً لقانون المالكين والمستأجرين الذي أقره المجلس النيابي السابق. الكثير ممن يعملون في هذه المحال التجارية أصبحوا عاطلين من العمل، ومنهم من ينتظر. وهذا يَعني المزيد من البطالة والفقر. العولمة والإنترنت جعلا كل وسائل العرض والتواصل ممكنة. نصف مجتمعنا مستهلك وغير منتج من جيل الشباب؛ لكنه يجيد الاطلاع والتواصل مع كل مغريات الانفتاح والعولمة. تنوّع وتعدّد في الاستهلاك لا حصرَ لهما. ولا يستطيع الوالدان أنْ يفعلا أيّ شيء حيال ذلك. وهذا يزيد من الضغط النفسي والتوتر والمشاحنات بين أفراد العائلة الواحدة، ومن ثم المجتمع الواحد. ما شاء الله! غالبية الشعب الأردني مضغوط في اتجاهين متناقضين: رفع أسعار وغلاء معيشة، من ناحية؛ وزيادة لا حدود لها في الانفتاح والتعرّض لمغريات الحياة بكل أشكالها، في الملبس والمأكل والمشرب والتكنولوجيا ومتطلبات التعليم وغيْر ذلك، من ناحية أخرى. فكيف يمكن للمواطن الأردني أن يحافظ على اتزانه واستقرار عائلته في ظل كل هذا؟ وكيف يمكن أن يصمد أمام كل هذه الضغوطات؟ تدخل لعبة السياسة كل المجالات وترسم مسارها؛ لكننا أعطيناها من الجهد والوقت أكثر مما يجب، ونسينا سائر الأمور، رغم كل الإصلاح والتغيير والديمقراطية التي مارسناها. فلا بُدّ، إذاً، أن نعود إلى منطق الإنتاج، وأن نسعى إلى التميّز في الفكر والأداء. يجب أن نكثّف العمل على معالجة مُشكلاتنا الاقتصادية والزراعية والصحية والتعليمية. فالسياسة حتى اللحظة لم تُفرز لنا قيادات متميّزة في أي مجال. وما وصلنا إليه إنْ هو إلا دليلٌ على ذلك. الوجوه هي هي؛ نسخ مكرّرة. وندور وندور في حلْقة مُفرغة، ولا نفكر خارج الصندوق. المهم أننا نسير على طريق الديمقراطية وأنْ نمارسَها بحق. كان الله بالعون. ولا يأسَ مع الحياة؛ مَعَ فُسحة الأمل. |
||
متى نبدأ الخطوة الأولى ؟
أخبار البلد -