اخبار البلد
يعرض جلالة الملك عبدالله الثاني؛ في أوراقه النقاشية، التي تنشر اليوم أولاها، لرؤيته في البناء الديمقراطي المتجدد والملف الإصلاحي. مطلقا جلالته حوارا وطنيا، يدعو جميع المواطنين إلى الانخراط فيه، بما يصب في مصلحة الأردن وشعبه الطيب. كما يعرض الملك في ورقته النقاشية الأولى، لرؤية ثاقبة في ابتكار أنماط من التحول الديمقراطي الآمن والمتدرج والمستمر، شارحا جلالته مقومات بناء النظام الديمقراطي الذي نريد.
ويأتي نشر الورقة الأولى، التي خطها الملك بقلمه، بالتزامن مع بدء الحملات الانتخابية، وهو الموعد الذي يشكل منعطفا مهما في مسيرتنا الإصلاحية التي يقودها جلالته، منذ ما قبل الربيع العربي.
عبر سطور ورقته الأولى، يركز الملك على مفاهيم الديمقراطية والحوار، كأساس لبناء منظومة إصلاحات شاملة، تكتسب مزايا التوافق؛ وبالحد الأدنى من الاختلافات.
ويتطلع جلالته إلى الانتخابات النيابية المقبلة، على أنها تمثل إحدى المحطات الأساسية على خريطة طريق الإصلاح السياسي الأردني، لذلك فهو يشدد في أكثر من مقام على ضرورة أن تتوج الانتخابات باختيار حر وصحيح من قبل الناخبين.
ويؤشر جلالته إلى المعادلة الأساسية التي يجب أن تحكم عملية الانتخاب بين الناخب والمرشح، فـ "الأهم هو محافظة هؤلاء المرشحين على ثقتكم، واحترامهم لأمانة أصواتكم، على مدى السنوات القادمة"، لذلك فإن جلالته يحث الناخبين على التمسك بحقهم، بل بحمل المسؤولية الوطنية بمحاورة المرشحين للوقوف على توجهاتهم إزاء القضايا المهمة.
وينبه جلالته أبناء شعبه، وهم بصدد تدشين محطة مهمة في مسيرتنا الإصلاحية؛ إلى ضرورة نبذ "التطرف والمغالاة" والتشدد بالمواقف.
ويوجه الملك إلى ضرورة أن نتجاوز جميعا كل المعيقات التي من شأنها تعطيل المسار الديمقراطي الإصلاحي. وهو يقرر أن "الديمقراطية لا تكتمل إلا بالمبادرة البنّاءة وقبول التنوّع والاختلاف في الرأي".
ويلخص جلالته رؤيته لبناء النظام الديمقراطي، بالتأكيد على أنه "طريق يُبنى بالتراكم، ويحتاج بشكل أساسي إلى مراجعة أهم ممارساتنا الديمقراطية، وفي مقدمتها: كيف نختلف ضمن نقاشاتنا العامة، وكيف نتخذ القرار".
ويدعو جلالته إلى تطوير ممارسات ترتبط بمفهوم المواطنة الصالحة، والتي "تشكل الأساس لديمقراطية نابضة بالحياة".
يقول جلالته "هناك أربعة مبادئ وممارسات أساسية لا بد أن تتجذر في سلوكنا السياسي والاجتماعي حتى نبني النظام الديمقراطي الذي ننشد".
وتتجلى هذه المبادئ والممارسات من خلال؛ أولا: احترام الرأي الآخر أساس الشراكة بين الجميع، وثانيا: ان المواطنة لا تكتمل إلا بممارسة واجب المساءلة، وثالثا: قد نختلف لكننا لا نفترق، فالحوار والتوافق واجب وطني مستمر، ورابعا: جميعنا شركاء في التضحيات والمكاسب.
هذه العناصر الأربعة هي مقومات البناء الديمقراطي، الذي يريده جلالة الملك راسخا ومستمرا، وهو بناء لا يستخدم في المواسم؛ بل يبقى نهج حياة عامة، تعيننا جميعا على الالتزام بأدبيات الحوار دون تطرف أو مغالاة أو تشدد.
ويريد جلالته توسيع إطار الحوار في سياق البناء الديمقراطي، ويقول: إن الديمقراطية مستمرة أيضاً من خلال انخراطكم في نقاشات وحوارات هادفة حول القضايا التي تواجه أسركم، ومجتمعاتكم المحلية، والوطن بعمومه، وفي مقدمتها محاربة الفقر والبطالة، وتحسين خدمات الرعاية الصحية والتعليم والمواصلات العامة، والحد من آثار الغلاء المعيشي، ومحاربة الفساد بأشكاله وأي إهدار للمال العام.
ويجدد الملك دعوته للمرشحين للانتخابات للتقدم ببرامج عملية وموضوعية مبنية على الحقائق وليس الانطباعات، بحيث توفر حلولا قابلة للتنفيذ لمعالجة مشاكلنا، "مع تجاوز الشعارات البرّاقة والتنظير والإفراط في تشخيص المشاكل دون طرح حلول واقعية وعملية."
وبرأي الملك فإن الاختلاف لا يؤشر على وجود خلل، وليس شكلاً لانعدام الولاء، بل إن الاختلاف المستند إلى الاحترام هو دافع للحوار، والحوار فيما بين أصحاب الآراء المختلفة هو جوهر الديمقراطية، والديمقراطية هي الأداة التي تجعل من الحلول التوافقية أمراً يمكننا من المضي إلى الأمام.
باعتقاد جلالته، فإن الوصول إلى حلول توافقية يقوم على مبدأ "أن نعطي كما نأخذ"، وبهذا المنطق، فإن على جميع الأطراف أن تدرك أنها تحقق بعض ما تريد، وليس كل ما تريد. فالمبادرة للتنازل وصولاً إلى حلول توافقية هي فضيلة ترفع من شأن من يتحلى بها، وليست علامة ضعف.
ويدعو جلالته، في هذا المسار، إلى الالتزام بالحوار والنقاش سبيلا لحل الاختلاف في الرأي، قبل الانسحاب من طاولة الحوار والنزول إلى الشارع؛ على الرغم من الإيمان والإجماع الراسخ بأن حق التظاهر مكفول بالدستور.
ويلخص جلالته الفكرة من الإصلاحات المنشودة؛ بالإجابة على كيفية التأكد من أننا على الطريق الصحيح؟ ويجيب جلالته بأننا "سنتمكن، خلال الحملات الانتخابية، وخلال السنوات التي تلي الانتخابات القادمة، من التأكد أننا نسير على الطريق الصحيح، طالما التزمنا بالمبادئ الديمقراطية، وبتحسين ممارستها، وصولاً إلى تحقيق؛ بلورة إحساس جمعي بالكرامة والاعتزاز بما ننجزه سويا كشعب واحد، وتنمية إحساس وطني بالإنجاز (...)".
والملك يؤكد أن المشاركة بقوة في صناعة مستقبل الأردن يتم من خلال التصويت في الانتخابات، والالتزام بالديمقراطية نهج حياة، وإدامة الحوار البناء والقائم على الاحترام.