شهدت عملية الترشح للانتخابات النيابية حالة من التزاحم على تشكيل قوائم وطنية، في أول تجربة تطبقها المملكة ضمن أول قانون انتخاب دائم وغير مؤقت تجري عليه الانتخابات لإفراز مجلس النواب السابع عشر في تاريخ الحياة السياسة الأردنية.
تزاحم المرشحين على التسجيل في الدائرة العامة «القوائم الوطنية» قابله تراجع في أعداد المرشحين على الدوائر المحلية، بالمقارنة مع الانتخابات السابقة التي أفرزت مجالس النواب الرابع عشر عام 2003 والخامس عشر عام 2007 والسادس عشر عام 2010.
صانع القرار في الأردن ارتكز على القوائم الوطنية قبل تشكيلها، في تعزيز الحالة الحزبية وانتخاب المرشحين على أسس برامجية، وصولاً إلى إيجاد كتل فاعلة تحت قبة البرلمان السابع عشر.
بحيث تشكل هذه الكتل نواة حكومة برلمانية، تقابلها كتلة او كتل معارضة تسمى "حكومات الظل".
لكن حالة الازدحام والفوضى التي جرت في تشكيل القوائم الوطنية ربما تؤدي إلى كتل هلامية مشتتة تحت القبة، ومن شأن غياب التكتلات القوية، ودخول نواب متفرقين من خلال القوائم إلى المجلس للائتلاف تحت القبّة، إضعاف احتمالية تشكيل حكومة برلمانية تكون من إفراز أصوات الناخبين.
ولا تعني حالة التزاحم على القوائم الوطنية إنجاح تجربة القوائم الوطنية للوصول إلى تشكيل أول حكومة برلمانية، التي أكدت تصريحات ملكية مراراً السعي لتحقيقها.
أصحاب الدولة ونخب المجتمع
عملية تسجيل المرشحين شهدت عزوفا من قبل "أصحاب الدولة"، فلم يتقدم اي من رؤساء الوزراء الأردنيين السابقين للترشح، فيما سبق أن اعلن بعضهم نيته الترشح على أساس تشكيل قائمة وطنية.
وسرت تسريبات صحفية عن نية رؤساء الوزراء: معروف البخيت، وطاهر المصري، ونادر الذهبي، وسمير الرفاعي، وعلي ابو الراغب، وعبد الرؤوف الروابدة، تشكيل قوائم وطنية والترشح بشكل فردي، لكن أياً من ذلك لم يحدث.
وبسبب مقاطعة الحركة الإسلامية، وعدد من أحزاب المعارضة والوسط وشرائح من فعاليات المجتمع الأردني، تغيب عن مجلس النواب السابع عشر نخبة من النواب السابقين والخبراء والعلماء والشخصيات الوطنية المشهود لها في العمل النيابي والعمل العام.
وسيتأثر العمل البرلماني سلبا بغياب نخبة من النواب السابقين، خاصة النواب الذين تداولوا على مجالس النواب لأكثر من ثلاث او أربع دورات نيابية، وأصحاب التوجهات الحزبية من نواب الحركة الإسلامية، وأحزاب اليسار والنواب أصحاب الأفكار الحزبية.
تراجع أعداد المرشحين
حالة التزاحم على عملية الترشح للانتخابات النيابية 2013 في الدائرة العامة "القوائم الوطنية" قابله تراجع في أعداد المرشحين على الدوائر المحلية، بالمقارنة مع الانتخابات السابقة التي أفرزت مجالس النواب الرابع عشر عام 2003 والخامس عشر عام 2007 والسادس عشر عام 2010.
وبلغة الأرقام فقد بلغ عدد المرشحين للانتخابات الحالية على أساس الدائرة المحلية "الفردية" 698 مرشحا ومرشحة، يتنافسون على 123 مقعدا نيابيا بعدما تم رفع عدد مقاعد المجلس القادم الى 150 نائبا، مقسمين على 27 مقعدا للدائرة العامة "القائمة الوطنية"، و123 مقعدا نيابيا للدوائر الفردية، موزعة على أساس 45 دائرة انتخابية في محافظات المملكة ودوائر البدو الثلاث.
خلال انتخابات عام 2010 بلغ عدد المرشحين 763 مرشحا من بينهم 136 سيدة، يتنافسون على 120 مقعدا نيابيا، فيما خاض انتخابات عام 2007 نحو 885 مرشحا، تنافسوا على 110 مقاعد.
وتنافس على انتخابات المجلس الرابع عشر 765 مرشحاً لانتخابات عام 2003 وخصص للمجلس 110 مقاعد، وبلغ عدد المرشحين الذين تقدموا وخاضوا انتخابات عام 1997 للمجلس الثالث عشر 547 مرشحا تنافسوا على 80 مقعدا نيابيا، بينما بلغ عدد المرشحين في انتخابات 1993 للمجلس الثاني عشر 536 مرشحا تنافسوا على 80 مقعدا نيابيا.
وتنافس المرشحين في الانتخابات الحالية تركز على القوائم الوطنية، المخصص لها 27 مقعدا، واظهر توزيع المرشحين للانتخابات ان 820 مرشحا ومرشحة تقدموا بطلبات للترشح من خلال القوائم الوطنية التي بلغ عدد الطلبات المقدمة من القوائم 60 طلبا.
تنافس القوائم يضعف الفرص
محللون وصفوا ما جرى من تسجيل للقوائم الوطنية بـ"الفوضى"، على الرغم من ان تشكيل القوائم الوطنية حق دستوري لأي من المرشحين مهما بلغت أعدادها، معتبرين ان عددا كبيرا يفوق نصف القوائم الموجودة، لن تحصل على أي مقعد في الانتخابات المقبلة، بينما ستحصل بعض القوائم على مقعد واحد بالكسور والبقايا، وقوائم قليلة ستحظى بنائبين أو 3 نواب.
ويرجع حزبيون أسباب تزاحم القوائم الوطنية الى أن الرقم (60) -الموصوف بالكبير جداً- يشير إلى إقبال الأردنيين على تشكيل القوائم الوطنية؛ مما يؤكد ضرورة اعتماد القوائم الوطنية في تشكيلة كامل مجلس النواب، وليس 27 مقعداً منه فحسب.
ويعود سبب التزاحم على تشكيل القوائم إلى جملة من الأسباب؛ أبرزها: غياب التنظيمات الحزبية الفاعلة التي يمكن أن تشكل قوائم مبنية على أساس البرامج، إلى جانب عدم قدرة الشخصيات الوطنية على بناء قوائم موحدة من حيث الأيديولوجيا والأهداف.
ويعتبر حزبيون مرشحون للانتخابات على أساس قوائم وطنية أن حالة التزاحم على القوائم رد على الاستطلاعات الحكومية التي قالت إن الأردنيين ينحازون إلى الدوائر المحلية في النظام الانتخابي.
وطريقة احتساب الفائزين في انتخابات القوائم، ستجعل من غير الممكن نجاح قائمة بأكملها أو حتى عدد وافر من أعضاء أي قائمة وطنية، خاصة ان الهيئة المستقلة للانتخاب اعتمدت نظام البواقي لإعلان الفائزين بالقوائم الوطنية.
وهو ما يقوم على تقسيم عدد الأصوات التي حصلت عليها كل القوائم، على عدد المقاعد المخصصة لها (27)، واعتبار الناتج قاسماً أكبر، لتخصيص مقعد لكل قائمة حصلت على هذا القاسم، مما سيكون سببا في هدر الأصوات بين القوائم الكثيرة.
مصالح ومعارف
تشكيل القوائم في غالبيته قائم على أسس معرفية شخصية واستقطابات من قبل شخصيات ورموز وزارية سابقة، ولا يستند إلى عمل سياسي منظم او برامج حزبية قائمة على أسس واضحة.
وتتنوع القوائم المسجلة بين الأحزاب السياسية، والقطاعات المهنية والعمالية، والمناطقية على أسس جغرافية، وأخرى على توجهات فكرية من حزبيين سابقين.
وللافت للانتباه، فإن أياً من القوائم الوطنية الـ60 المسجلة لم تتمكن من ترشيح 27 شخصية لخوض الانتخابات سوى قائمة واحدة، وهو العدد المخصص للقائمة الوطنية وفق قانون الانتخاب.
وتخوض الانتخابات 13 قائمة بدون مشاركة نسائية، حيث لم ترشِّح على قوائمها أياً من المرشحات السيدات، بينما خصصت قائمة كتلة شباب الوفاق الوطني 4 مقاعد للمرأة وهي القائمة الوحيدة التي منحت هذا العدد للمرشحات، بينما تشارك 13 قائمة الانتخابات المقبلة بالحد الأدنى لعدد مرشحي القوائم 9 مرشحين كأحد شروط ترشح أي قائمة، ومعظم القوائم لم ترشح أكثر من 15 مرشحاً.
وعلى سيرة مشاركة المرأة في الانتخابات القادمة سجلت لأول مرة في تاريخ الدائرة الانتخابية الثالثة بمحافظة معان، التي تشمل منطقتي وادي موسى والطيبة في البترا، تساوى أعداد المرشحين من الإناث والذكور، حيث بلغ عدد المرشحين المسجلين 8 مناصفة بين كلا الجنسين.
وسجل لخوص الانتخابات النيابية القادمة عن دائرة البترا كل من: عدنان الفرجات، كمال الفلاحات، أحمد الحسنات، محمود الشماسين، أسماء الرواضية، فاطمة خليفات، مريم الرواضية، فاتن خليفات.
ومنافسة المرأة، تأتي في ضوء معطيات الخارطة الانتخابية التي قد تمنحها فرصة بالحصول على مقعد في البرلمان ضمن المقاعد المخصصة للكوتا، حيث سبق أن حصدت المرأة في الدورة الماضية مقعدا إلى جانب مقعد نائب اللواء.
حزبيون يتخلون عن أحزابهم
القوائم الوطنية القائمة على أسس حزبية عانت من خلافات بين أعضائها خلال التشكيل وفي عدة مفاصل، ابرزها آليات فرز المرشحين الحزبيين، للقائمة ثم اسس ترتيب المرشحين من حيث الاول والثاني وهكذا، وتحمل تكلفة نفقات الدعاية الانتخابية.. وغيرها.
وعلى الرغم من تجاوز الكتل هذه الخلافات، إلا ان بعض الحزبيين فضل خوض الانتخابات على اساس الدائرة المحلية، وبعيدا عن مسمى الحزب، حتى يتمكن من حصد أكبر قدر من اصوات الناخبين.
حزب التيار الوطني برئاسة عبد الهادي المجالي اعلن الاسبوع الماضي أسماء مرشحي قائمته الوطنية المزمع خوضها في الانتخابات بكامل المقاعد الـ27، وذلك بعضوية 12 نائبا سابقا و13 مرشحا جديدا، بينهم مرشحتان.
لكن المفاجئة أن 5 أعضاء من قائمة حزب التيار الوطني غادرت قائمة الحزب ليترشحوا عن الحزب في دوائرهم المحلية، وذلك قبل يوم واحد من تسجيل القائمة في الهيئة المستقلة.
وتخوض أحزاب الانتخابات بقوائم وطنية خارج إطار أعضاء الحزب، حيث استقطبت تلك الأحزاب شخصيات وطنية وازنة، تستطيع جمع اكبر قدر ممكن من أصوات الناخبين لصالح القائمة.
وتجري انتخابات 2013 وسط حالة من العزوف الشعبي ومقاطعة الحركة الإسلامية واحزاب معارضة ووسطية؛ احتجاجاً على قانون الانتخاب الأردني لسنة 2012، الذي طرأ عليه تعديلات طفيفة، بإضافة صوت للدائرة الوطنية العامة، مع الإبقاء على "الصوت الواحد" للدوائر المحلية.