إنشغلت الأوساط السياسية والأعلامية الأردنية طوال الأيام الثلاثة الماضية بأحاديث (صريحة جدا) وسلسلة مكاشفات حصلت بين العاهل الملك عبدلله الثاني ونخبة من المثقفين السياسيين خصوصا من التيار القومي واليساري ومن التيار الوطني القريب من الحراك.
وفي هذه الحوارات التي جرت في منزل كل من الوزير السابق أيمن الصفدي ونظيره رجائي المعشر على مدار يومين متتاليين هدم الملك الجدار على حد تعبير الكاتب فهد الخيطان الذي حضر اللقاء الأول فيما تم التحدث عن (المحرمات الرسمية) وفقا لتعبير الكاتب الصحفي الدكتور محمد أبو رمان.
وشغلت وصلة المصارحة هذه جميع الأوساط خصوصا أنها تسببت بفوضى على مستوى عدم إنضباط بعض من إلتقاهم الملك من نشطاء الحراك وقيام بعضهم بتسريب المضامين أو لجهة الحديث بجرأة وإنفتاح في كل القضايا والملفات ليس من جانب الملك شخصيا كما حصل في اللقاء الأول لكن من جانب بعض من تحدثوا إليه بصراحة في اللقاء الثاني.
ولم تتضح بعد الهوية السياسية لهذه اللقاءات لكن بعض النشطاء نشروا حيثيات ما دار في غرفة مغلقة مع الملك إما عبر نقل وتسريب روايات أو عبر نشر بعض ما حصل على صفحات التواصل أو عبر بعض المقالات التي حاولت التعليق على هذه المصارحات التي طالت كل الملفات المحلية والإقليمية الحساسة جدا دون صدور توضيحات أو شروحات تنفي أو تؤكد.
وكان الناشط الحراكي البارز ضرغام الهلسه أول من نشروا بيانا ببعض ما حصل في لقاء بضيافة الدكتور المعشر حيث وضع قصته حول ما جرى الى النحو التالي: في دارة معالي رجائي المعشر وبطلب ملكي التقينا مجموعة من شباب الوطن مع راس الدولة الاردنية جلالة الملك استمر اللقاء ثلاث ساعات تحدث هو اولا واكد لنا بانه لايشعر او يحس باية خصومة معنا نحن ابناء الحراك الشعبي الاردني واستطعنا ان نفهم من بين السطور ان من يقومون بمسيرات ما يسمى بالولاء لاعلاقة له بها واعلن امامنا انه ليس مع اعتقال النشطاء السياسيين مهما كان السبب وهو ضد تحويل النشطاء الى محكمة امن الدولة واستغرب ان لايكون قد افرج عن المعتقليين بالكامل حتى هذه اللحظة.
واكد على اهمية الحراك بالنسبة لعملية التغيير وقال لولا الحراك لما كان هناك امكانية للتفكيير بالتغيير واكد بانه سيلتقي مع الامن للتاكيد بانه لايحق لاي كان الهجوم بالضرب على شباب الحراك لانهم ضمير هذا الوطن وكم كانت لديه رغبة حقيقة ان نشارك بالعملية الانتخابيه لكي لانترك البرلمان لاولئك الفاسدين وتحدث عن الاعاقات المقصودة من النخب السياسية المستفيدة من الدولة لاي عملية اصلاح.
وعرج على الوضع الدولي والاقليمي والضغوط التي تمارس على الاردن من مثلث التطرف السياسي في تركيا وقطر ومصر الاخوانيه نتيجة لرفض تدخل الاردن بالشان السوري.
وسمع من الحضور ما يعجب ولايعجب واؤكد هنا بان الحضور وبمشاربهم المختلفه وارائهم المتعارضه اجمعوا على ادانة الفساد وعدم الجدية في محاربته وادانوا نهج الخصخة ونهج التحولات الاقتصادية برمته وتم هجوم واضح على النخب السياسية الحاكمة ومسؤليتها التاريخية عن ازمات الدولة الاردنية والتي اوصلت البلاد الى حد الافلاس.
وسمع منا ما نقوله في الشارع وما نكتبه في مقالاتنا وما نقدمه من راي في الحوارات التلفزيونيه واكثر من ذلك لقد سمع بانتباه وتفاعل مع الاراء بوضوح ولكن هل سيتم عمل شي تجاوبا مع ما ماقلنا وهنا اقول من التجربة لااعرف فالوضع صعب وبعض رجالات الدولة ياتمر باجندة خاصة به ولايريد لاي تقدم في معنى الشراكة الوطنيه وبصناعة القرار.
وهناك تدخلات خارجيه خطرة من اطراف عدوة للديمقراطيه.
ووفقا للصحفي محمد النجار فقد كشف الملك عن امتلاك بلاده أوراقا ترسل من خلالها رسائل إلى القاهرة، منها وجود خمسمائة ألف عامل مصري في الأردن، وأن الأخير هو الممر الوحيد للخضراوات المصرية المصدرة إلى العراق. كما أن عشرات الآلاف من المصريين العاملين في دول الخليج يستخدمون خط نويبع العقبة في تنقلاتهم.
وبالنسبة للكاتب محمد أبو رمان فقد تضمن لقاء الملك حديثا في المحرمات الرسمية؛ الفساد، الاعتقالات وانتهاكات حقوق الإنسان، الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، الملف السوري، البدائل الممكنة لحالة الانسداد الحالية، الأسعار والبطالة وقصور مشاريع التنمية في المحافظات. الخ.
البركة الأولى- أضاف أبورمان- تمثّلت بتوجيهات ملكية بإطلاق سراح المعتقلين وبكشف حجم الضرب والإهانة التي تعرّض لها المعتقلون، وإعلان الملك رفض توقيف المواطنين بسبب أراءهم السياسية، والتوافق على التواصل وتقديم البدائل العملية.
هذه الانطباعات الإيجابية لمستها من تواصلي مع الأصدقاء خالد رمضان وخالد كلالده ومبارك أبو يامين، وقراءة ما كتبه كل من محمود الحياري وأدهم غرايبه، وأتمنى أن تستمر هذه اللقاءات ونرى حواراً مماثلاً بين الملك ونشطاء حراك الطفايلة، وأن يسارع مطبخ القرار إلى تدشين قنوات الحوار من جديد مع قيادات جماعة الإخوان المسلمين، فالمقاطعة لا تعني القطيعة، والاختلاف لا يؤدي بالضرورة إلى الصدام والصراع.
ومن جانبه وصف الكاتب فهد الخيطان اللقاءات الأخيران بانهما مثلا اختراقا غير مسبوق في الحوار الملكي الذي جمع لأول مرة نشطاء من الحراك وممثلين لقوى سياسية صاعدة ومثقفين يساريين مع جلالته.
وإعتبر الكاتب أنه منذ أن بدأ الحراك الشعبي في الشارع الأردني قبل عامين تقريبا، لم يتسن لممثلي هذا الطيف لقاء الملك مباشرة والحوار معه حول الأوضاع العامة في البلاد. غياب قنوات الحوار المباشر مع رأس الدولة رهن الحياة السياسية في البلاد لثنائية الدولة والإخوان. وفي ضوء الخلاف مع الحركة الإسلامية حول أجندة الاصلاح، سيطر محافظون تقليديون وليبراليون بلا خبرة في السياسة على مفاصل صناعة القرار في البلاد.
بمعنى آخر أقيم جدار عازل بين الملك والقوى الاجتماعية الداعمة لبرنامجه الإصلاحي. بيد أن الملك قرر هدم هذا الجدار، وشرع في حوار مباشر مع من كانوا يصرّون حتى الأمس القريب على أنهم خصوم للملك وأعداء للدولة.
وشرح الخيطان الذي حضر اللقاء الأول: في منزل الدكتور رجائي المعشر ومن قبل في منزل أيمن الصفدي دار حوار عميق وصريح بين الملك ونشطاء في الحراك وقادة أحزاب حول أكثر الأمور حساسية في المشهد الوطني. تحدث الحضور بجراءة ومسؤولية وطنية عن الإصلاح السياسي ورفع الأسعار والفساد وأخطاء الحكومات المتراكمة، والتجاوزات الأمنية بحق الحراك والهوية الوطنية، ودور الأردن في الأزمة السورية وكل ما يخطر ببال المواطن العادي من هموم ومشاكل.
وكان الملك صريحا وواثقا كعادته؛ ساجل بعمق، وعرض تصوراته للخروج من عنق الزجاجة، وبدا منفتحا على كل الأفكار التي يمكن أن تساهم في إنجاح تجربة التحول الديمقراطي والحكومات البرلمانية. وانهمك بمناقشة مساهمة الحراك والقوى الشبابية الصاعدة في بناء الأردن الجديد، وسبل دمجهم في العملية الانتخابية. كما قدم تحليلا تفصيليا للمشهد الإقليمي ومواقف الأردن من التطورات الجارية في المنطقة، خاصة في سورية وفلسطين، وجاءت كلها متطابقة مع توجهات الحضور.