لا تدخل الحكومات الجانب الإيجابي من التاريخ بسبب طول عهدها أو جمال صورتها الإعلامية، بل بحجم إنجازاتها الفعلية وقراراتها المؤثرة في الاقتصاد والسياسة.
حكومة الدكتور فايز الطراونة حكمت لمدة خمسة أشهر، وسميت حكومة انتقاليـة، ومع ذلك أنجزت الكثير، وأخذت على عاتقها مسؤوليات وطنية لم يجرؤ غيرها على أخذها. وكما أشرفت حكومته الأولى قبل 12 عاماً على نقلة سياسية، فقد أشرفت حكومته الأخيرة على نقلة اقتصادية.
في لقائه الأخير مع برنامج ستون دقيقة حاول الطراونة أن يقدم كشف حساب عما تحقق في عهده القصير، ولكنه كان ضعيفاً بحق نفسه ولم ينصف حكومته.
يسجل للحكومة المستقيلة أنها صارحت الشعب بالصعوبات المالية في أيامها الاولى على أمل أن تلقى التفهم والدعم الشعبي، وتعهدت بأن لا تؤجل وترحل المشاكل إلى المستقبل كما فعل غيرها، كما أكد رئيسها أنه ليس وراء الشعبية على حساب المصلحة العامة.
تحت هذا الباب توصلت الحكومة مع صندوق النقد الدولي إلى اتفاق تصحيح اقتصادي يدعمه الصندوق مالياً وفنياً، وحصلت على تسهيلات تزيد عن مليارين من الدولارات لتمكين الدولة من تحقيق الإصلاحات المطلوبة بأقل قدر من المعاناة الشعبية (ضرائب وأسعار).
كسرت الحكومة حاجز تثبيت أسعار المحروقات والكهرباء، وخفضت الدعم الذي كان (وما يزال) يحرق مئات الملايين من الدناينر شهرياً ممولة بمديونية تجاوزت الخطوط الحمراء ويذهب معظمه لمصلحة الشرائح التي لا تحتاجه ولا تستحقه.
وأخيراً وضعت الحكومة خطة أوليـة لحل عقدة توجيه الدعم للمستحقين، وهو قرار صعب كانت تستطيع تركه للحكومات القادمة، ولكنها اختارت أن تأخذ المسؤولية وتسهل الأمر على من يخلفها لولا أن كل قراراتها الختامية جمدت مراعاة للظروف!.
خمسة أشهر ليست فترة طويلة بأي مقياس، ولكنها جاءت في مرحلة حساسة، ثبت فيها أن الأردن دولة قانون ومؤسسات، وأنه ليس لقمة سائغة للطامعين بالحكم والخارجين على القانون والخلق الوطني.
ذهبت الحكومة تطبيقاً لأحكام الدستور الذي أوجب استقالة الحكومة التي تحل البرلمان، ولكن ليس قبل أن تحقق نقطة تحول في اكثر من مجال، وفي المقدمة حماية احتياطي العملات الاجنبية ووقف الهبوط الذي كان يثير القلق واستمر 20 شهراً.
خلال خمسة أشـهر لم نوفر حكومة الطراونة من النقد وهي في السلطة، أما وقد رحلت فلا بد من كلمة حق.