أكثر من مؤشر يحمله اختيار الدكتور عبد الله النسور رئيسا للحكومة، فهو من المجلس النيابي المنحل الذي شهد مفاصل الربيع الأردني وكل إصلاحاته ونجاحاته وإخفاقاته معاً، والمؤشر الثاني أن الرجل كان وظل مع الحرية والإصلاح وفي ذلك رد على المشككين بجدية رأس الدولة بالإصلاح، وفي مسيرته العملية الكثير من المواقف التي تكشف عن حسن السيرة والجرأة والكل يذكره هنا في جريدة صوت الشعب عندما جاء بالرسام ناجي العلي وابتدع له زاوية خاصة العام 1984، على الصفحة الأولى للجريدة، وفي ذلك الوقت كان التوتر في أعلاه مع منظمة التحرير الفلسطينية. وهو المستقيل من حكومة طاهر المصري عندما كانت الدولة تتجه نحو مؤتمر مدريد والعلمية السلمية.
وفوق ذلك فهو صاحب مؤهل علمي وخريج اعرق الجامعات الغربية، وثالثا هو لم ينجح في المجلس المنحل بالتزوير، فرقم الذين صوتوا له كنائب وإن كان متواضعا، إلا أن يشف عن أن من صوّت له وأدخله البرلمان كان جهده وعلاقاته وسمعته بين أنصاره، في ظل قانون الدوائر الوهمية الذي هو أزمة الإصلاح الأردني.
في الخبرة البيروقراطية الرجل معتق، تدرج بالمناصب والمواقع العامة التي لا مجال لها، وهو ذو خبرة في السياسة الخارجية، ويدرك معنى الارتقاء بسمعة البلد، وهو إدراك لا يتحقق إلا بانجاز مهمته التاريخية وهي إجراء انتخابات حرة ونزيهة.
النسور نجح في البرلمان المنحل، أن يعدل من صورة ابن النظام الذي عادة ما يكون محافظا، إلى سمة الرجل الإصلاحي المعني بانجاز ديمقراطي والتي طغت عليه، وكان صوته عاليا في المعارضة للحكومات السابقة التي مرت على مجلس النواب المنحل، وهو إن عاد اليوم رئيسا للحكومة بلا برلمان، فهو يدرك معنى أن تكون مهمته إنتاج برلمان نظيف يخرج البلد من أزماتها.
اختيار النسور هو اختبار لدور رجال الدولة أيضا، ويعطي معناً جديداً باتجاه أن الدولة قادرة على أن تجد من بين أبنائها من يمُثل للمهمة الوطنية وتحمل المسوؤلية وعدم التذرع بالاحتقان أو التوتر الذي يشهده الشارع، فالمهمة لا تحتاج لرئيس يبغي هدوءا مطلقا وترحيبا غير مسبوق، بل الوطن بحاجة لمن يخفض جناح الطموح والأحلام والسمعة وكل ذلك لمصلحة الوطن فقط، وأحلام الأردنيين في الانتقال للديمقراطية، وبدء مرحلة جديدة عنوانها العدالة ومحاربة الفساد من قبل برلمان قوي.