النظام الانتخابي الحالي سيئ. وقد فنّدته، شخصيا، في عشرات المقالات. لكن أي تفكير بتعديله من خلال إعلان حالة الطوارئ أسوأ ألف مرة؛ أولا، لأننا لا نريد هذه السابقة، وثانيا، لأن استخدام الطوارئ لقسر موازين القوى داخل الدولة يضعفها، وثالثا، لأنه ليس من مصلحة الدولة الأردنية، السماح بأي نصر سياسي للإخوان المسلمين في الظروف الإقليمية الراهنة. فهذا النصر لن يكون لصالح قوة محلية في سياق السياسة المحلية كما كان الحال قبل 2011، وإنما سيكون نصرا للقوى الإقليمية المعادية للأردن، كيانا وهوية ومستقبلا. وفي تصوّري أن أي مصالحة مع " الإخوان" ينبغي أن تكون في إطار محلي تماما. ولكي تكون كذلك، فعلى هذه المصالحة أن تنتظر مآل التطورات الإقليمية، وخصوصا في سورية؛ فالتسوية في سورية تحديدا سوف تحدد أحجام وأدوار القوى في الهلال الخصيب كله. وعندها، فقط، يمكن التفاهم مع " الإخوان" كحزب محلي.
غياب الإخوان وحلفائهم عن الانتخابات المقبلة، يشكّل فرصة ثمينة لإعادة ترتيب الأوراق الداخلية للدولة الأردنية في ظل المتغيرات الإقليمية العاصفة. وهذا لا يعني استبعادهم إلى الأبد، بل يشكل مرحلة انتقالية إلى انتخابات مبكرة لاحقة، تضع الجميع في السياق الأردني وتقرر المنافسة على أسس داخلية لا تستقوي ولا تتأثر بالعوامل الخارجية.
لكن، لكي يكون بالإمكان تجاوز ثغرات الصدقية الناجمة عن غياب الإخوان وحلفائهم عن الانتخابات المقبلة، ولكي يكون بالإمكان التوصل إلى برلمان التجديد الوطني، فإن رجال الدولة الأردنية يواجهون اليوم استحقاق المشاركة الشخصية في العملية الانتخابية.
خلال العقد الماضي، تشكلت حكومات تعكس حساسيات اجتماعية سياسية مختلفة، ونشبت، داخل مؤسسات الدولة وفيما بينها، خلافات وصراعات على توجهات اقتصادية واجتماعية وسياسية. ولم يكن رجال الدولة الذين مثلوا أطراف الخلافات، في الحقيقة، معزولين عن دعم الأوساط الاجتماعية المتناغمة ، إلى هذا الحد أو ذاك، مع توجهاتهم. وهذا يعني أن المرحلة السابقة أفرزت، بالفعل، تيارات سياسية كبيرة لم تتحوّل إلى أحزاب بسبب إحجام رؤساء الوزارات وكبار الوزراء عن الاصطفاف السياسي الحزبي الصريح.
ولعبت عوامل عديدة وراء تخلي رجال الدولة عن مهمة التحزّب، منها الرغبة في حرية الحركة في العلاقة مع النظام وتشكيل الحكومات والمصالح الخ، ومنها الرغبة في تحاشي العلاقة اللازمة وربما المزعجة مع القوى الشعبية التي لا مناص من الاستناد إليها في عمل حزبي، ومنها الافتقار إلى العزيمة على مشاق العمل السياسي الجماهيري مقابل كواليس الصالونات المريحة، ومنها حتى الاعتبارات الشخصية ومتطلبات الراحة.
لكن الوطن والدولة، اليوم، في مواجهة تحديات كبرى تضع كبار السياسيين أمام مسؤولياتهم. والفرصة متاحة لهم الآن لتحويل الانتخابات المعرّضة للتشكيك إلى انتخابات مصيرية تنطوي على منافسة حقيقية بين الاتجاهات الفعلية داخل الدولة، وتحوّل البرلمان المقبل من ندوة أغلبها من نواب الصف الثالث إلى مجلس وطني للقيادات، من شأنه التأسيس للمرحلة الدستورية الديموقراطية، واتخاذ القرارات الكبرى، وتأكيد الثوابت وتصحيح المسار.
بالمناسبة، فإنني، لخلافات سياسية، لا أستطيع أن أمنح صوتي لعبد الهادي المجالي، لكنني أكن له الكثير من الاحترام لإصراره على خوض الانتخابات التي يتوجب الآن على رجال الدولة خوضها لاستعادة التوازن الوطني والثقة العامة وتسييس البرامج والخلافات. وبالإضافة، إن السياسي الذي لا يشارك اليوم في الانتخابات سيحرم نفسه من أي مشاركة سياسية لاحقة، إذا كنا نسير فعلا نحو حكومات برلمانية هي التي ستسمي،واقعيا، مجالس الأعيان.