عدد محدود جدا من رجال الدولة يفكرون في خوض الانتخابات النيابية المقبلة. أعني بهذه الفئة "العريضة"؛ الرؤساء السابقين للحكومات والديوان الملكي، ومديري أجهزة سيادية، والوزراء البارزين ممن تولوا الحقائب مرات عديدة، وأعضاء مجلس الأعيان السابقين والحاليين.
الغالبية الساحقة من هؤلاء صاروا رجال دولة بلا عناء يذكر؛ نالوا امتيازات السلطة وجاه المناصب، وتقلبوا عليها بالتعيين. لم يتعرضوا لامتحان الشعبية ولا مرة، لا بل إن النظام السياسي خسر من رصيده الشعبي أحيانا بسبب وجود بعضهم في منصبه.
ألم يحن الوقت لرد الجميل للدولة؟
اللحظة سانحة؛ الانتخابات النيابية على الأبواب، والدولة والمجتمع في أمسّ الحاجة إلى نواب من أصحاب الخبرة والكفاءة في مجال السياسة والاقتصاد، فمن أفضل من رجال الدولة لملء مقاعد المجلس الجديد؟
معظم من تولوا رئاسة الحكومات ومواقع المسؤولية المتقدمة، في السنوات الأخيرة، ادعوا أنهم أصحاب برامج سياسية ونظريات يكفل تطبيقها النهوض بالاقتصاد الوطني والإدارة الحكومية. وكثير منهم قالوا عند مغادرتهم لمناصبهم إنهم لم يأخذوا الوقت الكافي لتنفيذ خططهم وبرامجهم. الميدان مفتوح أمامهم الآن؛ تقدموا لخوض الانتخابات بما لديكم من برامج لتنالوا ثقة الشعب، ومن ثم تشكيل حكومة برلمانية إن استطعتم بناء تحالف الأغلبية.
هذا خير لكم من أن تأتوا إلى المناصب بالطريقة التقليدية السابقة، والتي جرّت عليكم الانتقادات بوصفكم فئة من المحظيين أو من أبناء الذوات الذين يتوارثون المناصب من الآباء والأجداد.
وجود رجال الدولة في البرلمان المقبل سيضفي طابعا سياسيا على علاقتهم مع خصومهم في العمل العام؛ لن يكون بوسع أحد أن ينتقدهم بالأسلوب القديم، والمهين أحيانا، على المستوى الشخصي، وهذا سيرفع من سوية النقاش العام ومستوى العمل السياسي.
الدولة على أبواب مرحلة سياسية جديدة، ستتغير معها قواعد اللعبة السياسية بشكل جذري، وسيكون البرلمان الموقع الرئيس لصناعة النخب السياسية وصعودها سلم العمل العام.
موقف رجال الدولة الحالي يثير الاستغراب حقا؛ لا يبدون أي اهتمام بخوض المعركة الانتخابية، ويستنفرون مع قرب التغيير الحكومي أو في رئاسة الديوان الملكي.
ما الذي يمنع سمير الرفاعي، ومعروف البخيت، وعون الخصاونة، وعدنان بدران، وباسم عوض الله، ومروان المعشر، وصلاح البشير، وناصر اللوزي، وحتى فايز الطراونة، وغيرهم الكثير من السياسيين، من خوض الانتخابات بقوائم، أو على المستوى الفردي مثلما فعل من قبل طاهر المصري وعلي أبو الراغب وعبدالرؤوف الروابدة وفيصل الفايز؟
في الوسط السياسي أسماء محترمة لوزراء سابقين، من أمثال الدكتور رجائي المعشر، وسمير حباشنة، ومحمد داوودية، ومازن الساكت، وموسى المعايطة، ونايف القاضي، وعيد الفايز، سبق لهم أن خاضوا الانتخابات، ففازوا وخسروا، وبمقدورهم اليوم أن يتقدموا للسباق بثقة كبيرة، فلماذا يحجمون؟
الدولة بحاجة إلى رجالها في هذه المرحلة الدقيقة. ونجاح عملية التحول الديمقراطي التي يقودها الملك يتوقف على مدى تجاوب النخب السياسية مع التحدي الماثل أمامنا.