في السياسة والعمل الحزبي والنقابي لا توجد نوايا حسنة، وإنما أعمال منظمة ومبرمجة وموجهة أيضاً. وعليه فإن ما يصدر من أفعال وأقوال عن مثل الجهات ذات الشأن، لا ينبغي أخذه على بساطة، وإنما بالتمعن والفحص؛ لإدراك ما فيه من أهداف متوخاة، أو رسائل يراد تمريرها، أو خدمات مطلوبة جراء احتواء أو وصاية وتبعية.
من حيث الشكل، اتخذ نقيب ومجلس نقابة الصحفيين موقفاً معارضاً من قانون المطبوعات والنشر، وذلك بالقول والتصريح، أما على أرض الواقع فإن المبذول لدعم الموقف يكاد يكون معدوماً، ويبعث القليل الذي تم إلى التوجس، وربما الريبة أيضاً.
فالقرار بتكليف مستشار النقابة القانوني بدراسة إمكانية الطعن في القانون أمام المحكمة يحمل أكثر من معنى في آن واحد، وفيه مخاطر تقديم خدمات بالاتجاه المعاكس لما هو مراد في العلن الذي أساسه الطعن في القانون.
فالمستشار القانوني بما يملك من خبرات، لا يكون دائماً في جاهزية الدفع الكامل والمعمق لتسبيب الطعن، إن تقدم بناقص من أي نوع أو حيث لا اختصاص، فإن خسارة القضية وردها يكون أكيداً. والأمر بالاحتمال أعلاه يخدم عدم إتاحة المجال للتفكر المدروس لطعن يكون كامل الأوصاف من خبراء كبار أعلنوا عزمهم الطعن في عدم الدستورية للقانون، ليس من جانب المواد وإنما أيضاً من ناحية كل ما صدر عن مجلس النواب الذي أثير حوله ما أثير من شبهات التزوير؛ ما يعني الطعن ضمنياً في عدم مشروعية تلك القوانين، وما تم على ذمة المجلس من أعمال أخرى.
فهل لدى النقيب ومجلس النقابة مثل هذا التوجه، أم أنهم باندفاعهم إن كان بريئاً أم غير ذلك -نحو الطعن قبلاً إغلاقاً للطريق- أمام طعن مدروس ومعمق وذو أبعاد سياسية، ما يمكن بعد ذلك اعتباره طعناً من الخلف أيضاً.
الأفضل لنقابة الصحفيين كمسؤولة عن الدفاع عن حرية التعبير أن تمارس رفضها القانون على أرض الواق،ع بوسائل مادية واضحة ومؤثرة، وأن تضم جهودها إلى أي أعمال تخدم واجبها بالدفاع عن حرية الصحافة، وصونها من التدخل والعبث. إما استمرارها بأقل الممكن فإنه يخدم تكريس العداء للصحافة وحرية الرأي؛ إذ إن الإشارة التي سيلتقطها فريق أعداء حرية التعبير من قلة الحيلة لصاحب الولاية والحق، ستكون اعتبارها موافقة ضمنية ليستمر بالمنع وليس التراجع.