لفت انتباهي مقطع فيديو بثته الفضائيات الأمريكية لنجمة البوب ،مادونا، في حفل أجرته في واشنطن وصفت فيه الرئيس الأمريكي أوباما بأنه 'مسلم أسود'. البعض قال بأنها كانت تتهكم على الرئيس، ولكنها أوضحت بأنها كانت تمزح عندما قالت بأنه مسلم. وقالت في التسجيل الذي بدأ وكأنه مساندة لحملته الانتخابية التي سيقودها لإعادة انتخابه يوم السادس من نوفمبر القادم 'من المثير للدهشة الشديدة وأمر لا يصدق أن لدينا أمريكيا من أصل أفريقي في البيت الأبيض... لدينا مسلم أسود في البيت الابيض.. يعني هناك ثمة أمل في هذا البلد وأوباما يكافح من أجل حقوق المثليين .. لهذا ادعموا الرجل'.
لم يصدر عن الرئيس الأمريكي ولا عن البيت الأبيض أي اعتراض على هذه الحادثة، على أساس أن من حق أي إنسان التعبير عن رأيه، وكون لون الرئيس أسود أو مسلم لا غضاضة فيه، لأن القانون الأمريكي يمنح حق الترشح للرئاسة للجميع بغض النظر عن لون الجلد أو الانتماء العقائدي.
اهتمامي بهذا التقرير لا علاقة له بديانة الرئيس الأمريكي ولا بلون بشرته أو بتأثير نجمات البوب على الدعايات الانتخابية أو الواقع السياسي. ما طرق جدار رأسي هو مقارنة بين حرية التعبير في أمريكا وحرية التشفير في الدول العربية.
لو استبدلت مادونا بمطربة عربية مثل نانسي عجرم أو هيفاء وهبي، وتجرأت إحداهن بوصف أحد الملوك أو الشيوخ أو الأمراء العرب بأنه أسود أو أنه 'يقاتل' من أجل حقوق المثليين، حتى لو كان متعاطفاً معهم في الخفاء. أو لو وصفته بأنه 'هندي' أو 'بنغالي' الأصول حتى لو ثبت ذلك بفحص الحمض الوراثي، لحصل انتشار فوري لحملة على الانترنت، تهاجم المغنيات 'قليلات الحياء' اللواتي 'لا يفهمن في السياسة' تحت عنوان 'بأبي أنت وأمي يا راعي البلاد' والاستغفار الشديد لوقوع مثل هذا الزلل، مشفوع بطوفان من المقالات التي تعدد محاسنه وعدد وفير من القصائد في مدح مآثره، جلّ محتواها خرط كوسا من الحجم الكبير. مرفقة مع فورة إعلانات عن ندوات لمناقشة درجة بياض سحنته، رغم أن بياض البشرة مرتبط في ذاكرتنا الجمعية بالاستعمار والتنكيل والقهر. ولأننا عنصريون حتى النخاع، معاذ الله إلا أن يكون قادتنا شديدي بياض البشرة. هذا إضافة إلى تكفير المغنية وإصدار فتاوى تبيح هدر دمها لتعديها على آل بيت رسول الله. لأن كل رئيس أو قائد عربي، بقدرة قادر، استطاع أن ينسب نفسه إلى شجرة عائلة الرسول الكريم ليستطيع الاحتماء بظلاله عندما يفجر.
هناك طرق عربية مختصرة لمعالجة التطرق إلى أي موضوع قد يخدش 'روقان' شخص القائد لو حصل وأن كان لدينا نسخة من مادونا. مثل انتشار خبر وفاة المطربة الشهيرة في اليوم التالي نتيجة حادث مأساوي متقن الحبكة. مرفق بسلسلة من الوثائقيات حول رعونتها التي تسببت في الحادث. فإذا سقطت من شرفة، فذلك لأنها تهوى التمرن على السير حافية القدمين على درابزين شرفة بيتها المطلة من بناية مرتفعة. وإذا ماتت نتيجة حادث سير، فهو نتيجة لمزاولتها هواية التفحيط بسرعة أفقدتها السيطرة، أثناء قيادتها للمركبة تحت تأثير الكحول أو المخدرات. وإن ماتت مذبوحة من الوريد إلى الوريد، فذلك لأنها لم تلتزم بمعايير السلامة العامة حين استخدام مبرد الأظافر الذي حزّ رقبتها. وإذا ماتت مسمومة فالسبب عائد على خلفية جريمة شرف.
رئيس البلاد في الوطن العربي، منزّه عن أي نقاش متعلق بشخصه الجليل ومستثنى من كل ما يوصف به بقية البشر، بما في ذلك لون بشرته واهتماماته وأصوله وميوله. وبشكل مبالغ فيه تلغى فيه قوانين الطبيعة. لا يجوز الإشارة إلى أن للقائد نقاط ضعف كبقية خلق الله، فهو محصّن ضد الحب، غير قادر على التعذيب والتنكيل، وليس له علاقة من قريب أو بعيد بسرقة مقدرات الشعب وإنفاقها على الحبايب والمحاسيب. ولا يجوز الافتراء بالتلميح بأنه يضطر كبقية العامة لاستخدام بيت الخلاء أو يصاب بالمغص. لذلك نبتت في مجتمعاتنا العربية مجموعات من المتنمرين الذين يستقوون على العباد إن خالفوهم الرأي في أي موضوع، بالاحتماء تحت مظلة القائد والتمسّح فيه، حتى لو كان الخلاف بينهم وبين الغير متعلق بمكان اصطفاف سيارة أمام بناية أو موقع شجرة حجبت الرؤية، أو اختلاف على مكان جلوس في فعالية.
ولد في السبعينيات تعبير 'انت بتسّب الملك؟'. وكان يستخدمه كل من يريد أن ينهي أي جولة نقاش مع أي كان لصالحه. استخدم هذا التعبير ثلّة من المتنمرين للهشّ به على غنم القائد، ولمعالجة أي موقف يريدون كسب النتيجة فيه أوتلبيس أي شخص تهمة تضمن إختفاء عشيرته بكاملها في غياهب السجون عبر سراديب دوائر المخابرات، حتى لو كان السبب الحقيقي متعلق بتجاوز طابور لشراء رغيفين خبز. وعلى الأغلب لم يكن هناك علم للقائد أو علاقة بهؤلاء المخلصين. لكن الفجوة بين القيادة والشعب تعتبر خميرة نشطة لنفخ عجينة الفساد.
شتان ما بيننا وبين حرية التعبير في أمريكا. فهل نتوقع بأن يتجرأ شخص من الأقليات الدينية أو العرقية من المهمّشين في مجتمعات العربية، بترشيح نفسه لمنصب رئيس الدولة لمجرد أنه إنسان على خلق، متعلم، مثقف وكفؤ ويستطيع إدارة البلاد والعباد باقتدار؟
اغتصاب الصغيرات بمباركة رجال الدين
فجر الدكتور ياسر برهامي، عضو الجمعية التأسيسية لوضع الدستور والداعية السلفي المعروف، فضيحة جديدة في حق الإسلام عندما قال خلال حوار له مع برنامج 'العاشرة مساء' الذي بثته فضائية دريم2، أن الدين الاسلامي لم يحدد سنا معينا لزاوج الفتاة طالما أنها قادرة على المعاشرة، مؤكدا أنه يجوز للبنت في سن التاسعة أو العاشرة أن تتزوج. وأضاف بأن زواج الفتاة أفضل من الوقوع في معصية الزواج العرفي، بل إن هذا حق من حقوقها.
في هذا الكشف ما يسقط فك المرء دون مساهمة من الجاذبية الأرضية. فكيف يتم تقييم مقدرة فتاة في التاسعة أو العاشرة على المعاشرة، وهل يجوز استخدام تعبير المعاشرة كمرادف معادل لتعبير الزواج؟
كيف امتلك هذا الرجل الجرأة باقتراح أن فتاة في سن التاسعة قادرة على معاشرة رجل بالغ؟ فتعبير معاشرة جاء على وزن مفاعلة، وفي هذا إشارة واضحة إلى مشاركة الطرفين في الفعل بشكل يعكس ليس مجرد رضا الطفلة بهذا الفعل وإنما إقدامها على الفعل باستحباب ونيّة المشاركة. ألا يوجد اعتبار للنضوج النفسي والعقلي والوجداني للفتاة. ألم يخطر ببال هذا الرجل أن معاشرة طفلة في هذا العمر سوف يهتك أعضاءها التناسلية ويؤثر على قدراتها الانجابية في المستقبل. هل حقاً من مصلحة طفلة في التاسعة من العمر أن تتم معاشرتها جنسياً كما ادعى، وكيف يتحقق شرطي التكافؤ والرضا وهما من أهم شروط الزواج.
كيف عرف الشيخ أن الرضا متحقق لدى طفلة في التاسعة من العمر. هل يتحقق رضاها بقبولها علبة طلاء أظافر وأساور وحذاء وثوبا جديدا؟
أي معصية ستتجنبها الفتاة بزواجها في التاسعة من العمر كما يدعي الشيخ؟ وهل يستطيع عقل طفلة في هذا العمر اجتراح التفكير بالمعصية التي يلوّح بها، خصوصاً وأن الجنس خارج حسابات هذا العمر، وهل هناك فتاة في التاسعة من العمر تفقه ما هي حيثيات الزواج العرفي.
في رأيي أن الرجال الذين يفكرون بمعاشرة جنسية لطفلة في هذا العمر هم ذاتهم أصحاب المعاصي، وهم وحوش وغير أسوياء لا خلقياً ولا نفسياً. ولا أظن الشيخ يرضى هذا لحفيدته.
لكن يبدو أن ثقافة المتحدث محدودة. إذ اختلط عليه تعريف الليبرالي، معتقداً بأن الليبرالي هو المتحرر من الأخلاق والقانون والمنحرف أخلاقياً. وعليه أنصحه باستخدام كوابحه والتوقف عن الإفتاء في مستقبل طفلات مسلمات، سوف يحمل في عنقه أوزار كل من يتم تزويجها منهن بناء على ما تفتق عنه ذهنه من حسابات مبنية على ارتفاع منسوب الهرمونات لدى الذكور.
إن ما وصفه السيد برهامي ليس بزواج وإنما اغتصاب لقاصر. لماذا لم ير الشيخ برهامي منافذاً أخرى لإصلاح مشاكل المجتمع، مثل تخليص الصغيرات من الجهل والفقر عبر التعليم والحماية بدلاً من اقتراحه حلولاً تمر عبر السرير تكون فيها أجساد الصغيرات مختبراً لهمجية الذكور.
يتعامى الشيخ برهامي عن حقيقة أن هناك آباء باعو بناتهم الصغيرات لأثرياء الخليج ليتمكنوا من شراء الكيف. وأن فتواه ستكون بمثابة ضوء أخضر للمتاجرة بعرض الصغيرات بمباركة من رجال الدين. إن كان معنياً بمصلحة الصغيرات حقاً، كان عليه المطالبة بتوفير الحماية والتعليم والأمن والأمان لهن إلى أن يصبحن قادرات على التمييز بين استشارتهن في أمر الزواج وبين بيعهن إلى رجال لا يوجد في وجوههم ذرّة مروءة.
كاتبة واعلامية فلسطينية تقيم في بريطانيا