من بين رؤساء الوزارات السابقين، لا يتردد سوى اسم واحد كمرشح محتمل لتشكيل الحكومة الجديدة. أليس هذا بالأمرالغريب في دولة كان رؤساء الوزارات فيها يشكلون الحكومة ثلاث وأربع مرات، لا بل عشر مرات أحيانا؟!
استبعاد 14 رئيس وزراء سابقا من الترشيحات لا يعني أنهم غير أكفاء؛ على العكس، فمن بينهم من لا يريد العودة أبدا إلى المنصب رغم الإلحاح في طلبه، وفيهم من يحبذ الرأي العام رؤيته من جديد في موقع المسؤولية. وهناك رؤساء حكومات لا يطيق الناس وجودهم مرة ثانية أو ثالثة، وآخرون "قلة” لا يفكر فيهم صاحب القرار، حتى لو لم يبق غيرهم في الأردن.
بشكل عام، يجفل الأردنيون لمجرد أن يسمعوا اسم رئيس وزراء سابق من بين المرشحين لتشكيل حكومة جديدة. أصبح هذا الانطباع سائدا في السنوات الأخيرة أكثر من أي وقت مضى.
في مراحل تاريخية سابقة، كان تكليف رئيس وزراء بتشكيل الحكومة مرة ثانية وثالثة مؤشرا على استقرار الأداء ومؤسسية العمل. وارتبطت سياسات تلك المراحل بأسماء الرؤساء. أما في هذه المرحلة، فإن أسماء بعض الرؤساء السابقين تقترن بملفات فساد وصفقات وتزوير. ومنهم من تحولت فترة حكمه إلى مادة للتندر والسخرية في الأوساط السياسية.
ليس بالضرورة أن ما كان يصلح في الماضي يلائم الحاضر؛ الظروف تغيرت دون شك، لكن ليس إلى الحد الذي أصبح التفكير بفلان أو علان نذير شؤم عند الناس.
وسط هذه الحال، اختار رؤساء حكومات سابقون الاعتكاف في منازلهم، وتحول اثنان منهم للمعارضة، وانشغل البعض الآخر في أعمالهم الخاصة، فيما تفرغ آخرون للواجبات الاجتماعية؛ عزاء، وجاهات، وولائم على شرفهم.
لا يعود مستغربا استبعاد الرؤساء الأربعة عشر من الترشيحات لرئاسة الحكومة القادمة إذا ما علمنا أن ثلاثة منهم فقط أعضاء في مجلس الأعيان، أحدهم رئيس الوزراء الحالي فايز الطراونة!
التغيير يرتبط في أذهان الأردنيين بالأشخاص أكثر من ارتباطه بالسياسات. ثمة اعتقاد سائد بأن السياسات لا تتغير، ولهذا يظل الشعور بالتفاؤل أو التشاؤم مرهونا بهوية المسؤول القادم.
وفي سلوك الأردنيين وانطباعاتهم عن كبار السياسيين قدر من الغرابة يصعب تفسيرها؛ يتسابقون على تكليف رؤساء الوزارات السابقين تزعم جاهاتهم وتصدر ولائمهم، ويصبون جام غضبهم عليهم عندما تتردد الأنباء عن قرب تكليف أحدهم بتشكيل حكومة!
في العقدين الماضيين، دخل المئات من الأشخاص ماكينة السياسة الرسمية في الأردن. وباستثناء عدد محدود علق في مسنناتها، خرجت الأغلبية مهشمة ومحبطة تلاحقها الشبهات، وبالكاد ترد عن نفسها الاتهامات. ووقع الأسوأ لمن انخرط في العمل العام من بوابة النيابية؛ فلم نعد نقدر أو نرغب في التمييز بين نائب فاز بثقة الناس حقا، وآخر نجح بالتزوير. بمعنى أبسط، ضاع الصالح بعروى الطالح، فانحطت مكانة النيابية في أعين الشعب.
وسط حالة الخراب هذه، من منا يستطيع أن يسمي ثلاثة مرشحين لمنصب رئيس الوزراء بدون أن يسمع عليهم اعتراضا، بل ألف اعتراض؟!
لهذا كله، لم يعد هناك سوى مرشح واحد، تخيلوا!