حتى لا نبقى أسرى تصريحات . وتسريبات "مزركشة" حول الحوار ما بين القصر وجماعة الاخوان المسلمين، اقول بتواضع التالي :
حتى الآن لم يقع حوار حقيقي ما بين الدولة والاخوان سوى في حالتين، الاولى حوار عون الخصاونة والجماعة والذي عرض فيه عليهم 30 نائبا واربعة وزراء وعدد من السفراء، والثاني حوار مدير المخابرات مع القياديين في الاخوان زكي بني ارشيد ووائل السقا، ولم يصل الى نتيجة، اما الحوارات الاخرى فهي وساطات لتقريب وجهات النظر، إن كانت بدافع شخصي او حتى بتكليف، ويعرف الاخوان جيدا ان هذه الوساطات لا تلبي مطالبهم، وطموحهم في النهاية الجلوس مع رأس النبع.
ما وقع في اليومين الماضيين وليلة الخميس تحديدا، شكل تطورا جديدا على مسار الحوار غير المعلن، وعلى هذا فسوف تجتمع قيادات الاخوان اليوم للرد على العرض الجديد.
العرض الجديد ينسحب ضمن السيناريو التالي:
تعديل قانون الانتخاب باتجاه ثلاثة اصوات (صوت للمحافظة وصوت للدائرة وصوت للقائمة)، وزيادة عدد مقاعد البرلمان الى 162 مقعدا، بحيث يضاف مقعد لكل محافظة، وهذا يعني عدم حل البرلمان في هذه الفترة، والابقاء عليه لاجراء التعديلات المقترحة، من قبل حكومة جديدة، ترشح اكثر الاحتمالات فيصل الفايز لرئاستها، بحيث يتم في بداية الشهر المقبل، صدور ارادة ملكية بتأجيل الدورة البرلمانية شهرين، يتم في هذه المدة تمديد التسجيل للانتخابات، ويعقد المجلس النيابي دورته الاخيرة لإقرار مشروع معدل لقانون الانتخاب، وهذا يعني تأجيل اجراء الانتخابات الى شهر نيسان المقبل.
هذا السيناريو، يساعد الاخوان المسلمين في الهبوط عن الشجرة بتحقيق انجاز الغاء الصوت الواحد يذهبون به عند قواعدهم الاخوانية، رغم انهم اسقطوا مطلب التعديلات الدستورية، وفي الجهة الاخرى، تتخلص الدولة من بقاء الاخوان في الشارع، ومحاولتهم تحريكه ضد العملية السياسية والانتخابية.
ثنائية (الدولة والاخوان) معروفة، والطرفان يفهمان لغة بعضهما (ما بعرف رطني إلا ابن بطني)، وأدوات القوة عند الحكم عديدة، ابرزها تماسك اجهزة الدولة، والتفاهم مع الغرب والاميركان، وادوات القوة عند الاخوان، شيئان، الشارع وامكانية تحريكه، والتفاهم مع الاميركان، لهذا تعرف الدولة جيدا ان الذهاب الى الانتخابات هو الجدار الاستنادي لمنع انتقال الربيع العربي، وما يحدث من تطورات على الاقل في الجارة الشمالية، لكن بقاء الاخوان خارج اللعبة السياسية والانتخابات يبقي ثغرة في الجدار، ومن المصلحة العليا سدّها، حتى لو كان على حساب تنازل بسيط، والاخوان يعرفون انهم الخاسر الاكبر من بقائهم في الشارع اربع سنوات مقبلة، ولهذا يريدون النزول عن الشجرة، لكن من دون تهميش وتحطيم القيادات التي دفعت الخلافات الداخلية الى هذا الموقف، ولا بد من الحصول على مكاسب تقنع القواعد الاخوانية، التي وصف احد قيادات الاخوان بإن بعضها اقرب الى "قواعد القاعدة" في التطرف.
قد لا تروق هذه التطورات لكثير من السياسيين الذين يرفضون أن تذهب الاوضاع السياسية في البلاد باتجاه الاستقطابات الثنائية الحادّة، لأن ذلك يدفع باتجاه الوضع الأسوأ الذي يمكن أن يهيئ لمرحلة صراعية جديدة في البلاد لا تحمد عقباها، ولا تؤمن حالة استقرار في البلاد.
الان وبعد أن وصلت الامور الى مرحلة انغلاق الافق السياسي في البلاد، لا بد من البحث عن ممر آمن للعبور نحو مرحلة جديدة، تسودها الحريات العامة، ولهذا فإن سياسة الاعتقالات لن تمنع من بقاء الشعارات المتطرفة في الشارع، بل بالعكس سوف ترفع من منسوبها، واليوم سوف يذهب جزء من الحراك الى أمام سجن الجويدة للاعتصام تحت شعار "اعتقلونا..." كما تسود البلاد المساواة والعدالة الاجتماعية بدءاً من قانون انتخاب نيابي توافقي، مروراً بإعادة النظر بالسياسات الاقتصادية الجائرة على البلاد والعباد، وانتهاء باجراء حوارات وطنية واسعة وشاملة للوصول الى نقطة التوازن الضرورية، التي يرددها السياسيون جميعا في بلادنا تحت مسمى المصالحة الوطنية/ التوافق / والمصالحة / والوحدة الداخلية/ وجميع مرادفاتها تقتضي من أهل الحكم تقديم تنازلات.
علينا أن نتوقف قليلا للقول إن الشرائح الاجتماعية الملتفّة، تاريخياً حول نظام الحكم، تريد الكعكة بكاملها دون نقصان، وتعمل ليل نهار من أجل الحفاظ على مكاسبها وامتيازاتها وثرائها ودون أي استعداد لتقديم تنازلات لصالح وحدة البلاد واستقرارها ولصالح تجنيبها الفوضى الناجمة عن الاحتقانات الشعبية الواسعة والشاملة.
لقد ذهبت البلاد بسبب التراجع الدراماتيكي من مشروع الاصلاح، الى الاستقطابات الثنائية الحادّة: بين أهل الحكم والمطالبين بالاصلاحات.
إن استمرار هذا الوضع سيؤدي حتما إلى انفجارات اجتماعية وسياسية حادة، والحكمة تقتضي المعالجة قبل فوات الأوان.
واعتقد، بكل تواضع، ان الخطوة الاخيرة، والسيناريوهات المتوقعة، والمنتظرة، مرحلة جديدة لخروج البلاد من عنق الزجاجة.
osama.rantesi@alarabalyawm.netرؤية جميع المقالات