بهدوء، مرّ أمس تصريح وزير التربية والتعليم، الدكتور فايز السعودي، الذي ذكر فيه أن وزارته تدرس حاليا إنشاء"مدارس أهلية حكومية"، تشكل رافدا ثالثا يضاف للمدارس الحكومية والخاصة، في دعم القطاع التعليمي في المملكة؛ متحدثا عن تصور "أولي"، يقوم فيه القطاع الخاص بإنشاء مدارس على نفقته، وإدارتها والتعاقد مع معلمين للتدريس فيها، فيما تتولى الوزارة دفع تكاليف تعليم الطلبة، وتقديم الدعم المناسب لضمان استمراريتها.هذا التصريح "الخطير" لوزير التربية، الذي نشر في الصحف المحلية أمس، وضمن لقاء الوزير بأصحاب وممثلي المدارس الخاصة، تجنب بوضوح الإشارة إلى أن مثل هذا التوجه الحكومي لـ"تضمين" مدارس حكومية للقطاع الخاص يصب مباشرة في فكرة خصخصة التعليم المدرسي، باعتبار أن "أول الرقص حنجلة"، ومرحلة لانسحاب الحكومة من دورها في إدارة وتوفير التعليم الإلزامي والثانوي.الوزير السعودي، الذي تسجل له جرأته "غير المعهودة" في الحديث علنا ومن خلال تصريح صحفي مبثوث عبر وكالة الأنباء الرسمية، عن فكرة خصخصة جزء من المهام والأدوار التربوية والتعليمية لوزارة التربية والتعليم والحكومة، أوضح في ذات التصريح فكرته التي هي قيد الدراسة، كما بشرنا. إذ ستعد هذه المدارس "الأهلية الحكومية" مدارس حكومية، تدار من قبل القطاع الخاص، لتخفيف الضغط على مدارس الوزارة وزيادة نسبة التعليم.يذكر توجه "التربية والتعليم" هذا بخطوة الحكومة ووزارة الصحة قبل سنوات، بمنح مستشفى الأمير حمزة الحكومي في عمان وضعا ونظاما خاصين، وتعيين مجلس إدارة مستقل له، جعلا شروط الخدمة الصحية الحكومية المقدمة فيه وأسعارها أقرب إلى شروط وأسعار القطاع الخاص، ما اعتبره متخصصون وقطاعات نقابية وسياسية نموذجا وخطوة أولى ضمن توجه رسمي لخصخصة القطاع الصحي الحكومي.ورغم ما لحق بالقطاعين التربوي التعليمي والصحي العام في الأردن من ضربات في العقدين الأخيرين، وحالة التردي العامة لخدمات هذين القطاعين الحيويين، فإن فكرة الخصخصة، ومجرد طرحها كفكرة للتداول العام، بقي خطا أحمر، شعبيا ووطنيا، خاصة وأن هذين القطاعين هما الملاذ الأول والأخير لغالبية المواطنين، لاسيما مع تزايد ضغط الظروف المعيشية والاقتصادية التي توسع شريحة الفقر باطراد، وعلى حساب شريحة الطبقة الوسطى.لم يتبق للفقراء في الأردن من دولة الرعاية الاجتماعية وخدمات القطاع العام سوى التعليم، بشقه المدرسي طبعا بعد أن ذهب التعليم العالي بعيدا في الخصخصة و"سعر السوق"، إضافة إلى الصحة، بخدماتها الحكومية التي هي في حدها الأدنى حاليا.لا يكفي أن يحاول وزير التربية والتعليم التقليل من أهمية ما تدرسه وزارته من توجه، رغم أنه أمر استراتيجي، بـ"تضمين" مدارس حكومية للقطاع الخاص، وكأننا نتحدث عن تضمين "كافتيريات" ومعارض سيارات لهذا المستثمر أو ذاك.ما أعلنه الوزير، وفي حضرة أصحاب المدارس الخاصة، أول من أمس، أمر خطير ومهم، يجب التوقف عنده طويلا، وعدم تمريره بسهولة. نريد أن نعرف هل بتنا على أبواب خصخصة التعليم المدرسي؟!