اخبار البلد
لا ندري سبب منع نشر مثل هذا المقال للزميل باتر وردم إلا إن كان وراء الأكمة ما ورائها :
لم يسبق أن شاهدنا في الأردن برنامجا تنمويا يتمتع بتسارع وزخم في التخطيط والتنفيذ مثل برنامج تطوير الطاقة النووية في الأردن والذي بدأ فعليا منذ سنتين. لقد تم وضع البرنامج على رأس قائمة المشاريع الكبرى في الأردن وتم إنشاء مؤسسة خاصة للطاقة النووية ذات إمكانيات ضخمة ودعم سياسي غير محدود تتجاوز في صلاحياتها بعض الوزارات، وتم توقيع اتفاقيات مع 10 دول تقريبا في مجال تنسيق التعاون في نقل الخبرات والموارد المتعلقة بتطوير الطاقة النووية.
ليس بالضرورة أن تكون السرعة إيجابية لأن هذا البرنامج يسير حتى الآن بدون ضوابط وبدون توقف لالتقاط الأنفاس ولا حتى للتفكير الحقيقي والعميق فيما إذا كان الأردن بحاجة فعلا إلى الخيار النووي.أن العديد من الأسئلة الاساسية في سياق تطوير البرامج النووية لم يتم طرحها ناهيك عن الإجابة عليها حتى الآن. أن هذه الأسئلة والتجارب ناجمة عن خبرات دول مرت في البرامج النووية وارتكبت كل الأخطاء الممكنة ولا بد من الاستفادة من هذه الدروس قبل أن نضطر إلى دفع ثمن باهظ نتيجة التسارع، أو التسرع في المضي قدما وغياب الشفافية في بعض التفاصيل الفنية. وحتى لا أبقى في العموميات أود الدخول فورا في بعض التفاصيل للتساؤلات الفنية.
لم يتم القيام بدراسة جدوى اقتصادية مقارنة ما بين خيار الطاقة النووية وخيار الطاقة الشمسية في الأردن، حيث يبدو أن التفضيل نحو الطاقة النووية بناء على عنصر أساسي وهو وجود كميات كبيرة من اليورانيوم وهو مورد إستراتيجي يشكل أساس الطاقة النووية. ولكن سطوع الشمس هو ايضا مورد متجدد وكبير في الأردن وتكنولوجيا الطاقة الشمسية تتطور باستمرار ناهيك عن وجود خبرات أردنية كبيرة في هذا المجال. يحتاج الأردن إلى برنامج للطاقة الشمسية يتمتع بنفس الموارد والدعم والزخم الذي يتمتع به برنامج الطاقة النووية وسوف تثبت الأيام أن خيار الطاقة الشمسية هو الأجدى، ولكن بعد أي ثمن؟
السؤال الثاني يتعلق بالتعدين ومدى تطبيق مفاهيم السلامة العامة وحماية البيئة في واحدة من اشد ممارسات التعدين تأثيرا على الصحة والبيئة ولعقود طويلة. أن تجارب العديد من الدول تركت ورائها كوارث هائلة في مواقع التعدين ومن المفترض- وهذا افتراض لأننا لا نعرف تفاصيل الاتفاقية مع شركة أريفا- أن يتم الحرص على إعادة تأهيل كافة المواقع التعدينية لليورانيوم بطريقة سليمة تمنع تراكم الإشعاعات في الجو والتربة والمياه. في تجاربنا الأردنية فإن تعدين الفوسفات تسبب بكارثة بيئية لا يوجد حل لها حتى الآن فكيف بتعدين اليورانيوم؟
القضية الثالثة تتعلق بكميات المياه التي سوف تستخدم للمفاعل النووي والذي نفترض أنه بطاقة 700 ميغا واط حسب تصريحات وأدبيات هيئة الطاقة الذرية المتاحة للرأي العام (بعد أن كانت الطاقة التقديرية السابقة 400 ميغاواط). وهنا يوجد خياران أولهما الحصول على مياه البحر المالحة من العقبة ومن ثم إعادة ضخها وهي تحمل درجات حرارة عالية في البحر أو استخدام المياه العذبة المحلاة من قناة البحرين (بكمية 400 مليون متر مكعب سنويا) ضمن دورة مغلقة للمياه في المفاعل وهي تحتاج إلى حوالي 3 آلاف لتر من المياه لكل ميغاواط إنتاج في الساعة وتحتاج إلى برك تجميع وإعادة استخدام يمكن أن تتسع لملايين الأمتار المكعبة من المياه. وهذه قضية أخرى فمن يملك الحق في تخصيص 400 مليون متر مكعب مخصصة لأغراض الشرب من مشروع البحرين إلى المفاعل النووي، وهي كمية تمثل ثلثي المياه المحلاة من المشروع سنويا.
السؤال الرابع يتعلق بالمساحات المحظورة في المفاعل والتي ينبغي أن تزيد عن 15 كم في دائرة محيطة بالمفاعل فمن اين سيتم الحصول على هذه المساحات الشاسعة في العقبة أو في اي موقع آخر يتم فيه إنشاء المفاعل؟
أما السؤال الخامس فهو يتعلق بكيفية التخلص من المخلفات الذرية الخطرة فهذه المسألة في غاية الخطورة ولا يمكن تجاهل الحاجة إلى مناقشتها وتوضيحها والقضية ليست فقط في التخلص من المخلفات بل في كيفية نقلها من المفاعل إلى مواقع التخلص.
من حق الأردن، بمواطنيه الحاليين وأجيال المستقبل أن يحظى بحوار وطني جاد وشفاف حول خيارات الطاقة النووية وممارسة الرقابة الحثيثة على كافة خطوات التخطيط والبناء والتشغيل لأن المصلحة العامة تقتضي وجود رقابة عامة على أهم برنامج تنموي سوف يبدأ الأردن في تنفيذه وليس من المنطقي أن تستمر حالة التلقين والبث في اتجاه واحد السائدة حاليا.