اخبار البلد
هناك الكثير مما يمكن أن يقال على خلفية الأزمة بين الجهات الحكومية الليبية وبين الفنادق والمستشفيات الأردنية، لاسيما أن بعض تجليات الأزمة ذو صلة بقضية السياحة العلاجية التي اشتهر بها الأردن خلال العقود الثلاثة الأخيرة.
للقضية وجه يتعلق بحق الليبيين، ومعهم سائر أشقائنا العرب في الحصول على خدمة جيدة على صعيد الضيافة والعلاج لا تنطوي على استغلال من قبل الجهات المعنية، أكانت مستشفيات أم فنادق أم مطاعم أم أطباء، الأمر الذي يحقق نفعا للطرفين، الأول بالحصول على خدمة علاجية محترمة لا تتوفر ليبيا وفي أكثر الدول العربية، والثاني بتشغيل المؤسسات المعنية بتقديم تلك الخدمات، هي التي توظف كوادر كبيرة وتسهم في حل مشكلة البطالة في البلاد، في ذات الوقت الذي تخدم أصحابها وتبعا لذلك الاقتصاد الوطني.
لكن ما جرى مع الأسف خلال موجة تدفق الليبيين إلى البلاد بعد انتصار الثورة أن هناك جهات وجدت في ذلك جمعة مشمشية يمكن استغلالها من أجل جني أرباح كبيرة، فشرعت بناء على ذلك في التعاطي مع هذه الفئة بروحية الاستغلال، لاسيما أن الكثير من أبنائها لم يكن يتوقف عند الأرقام تبعا لشعورها بأن هناك من سيدفع.
عند متابعة الأمر من قبل الجهات الليبية المعنية تبين أن هناك قدرا كبيرا من الاستغلال قد وقع، وبعضه من اللون الجشع الذي لا يمكن هضمه بأي حال من الأحوال، وهو ما دفعها إلى التوقف عن دفع الفواتير المستحقة للمستشفيات والفنادق؛ الأمر الذي تسبب في أزمة كبيرة لتلك المؤسسات التي عولت على الدخل الذي سيأتيها.
هنا تبدت المشكلة، إذ جرى أخذ الطائع بذنب العاصي، في وقت لا يمكن القول بحال من الأحوال: إن عملية الاستغلال قد شملت الجميع، بل إن هناك مؤسساتٍ كانت تتعامل مع الإخوة الليبيين بذات الروحية التي تتعامل من خلالها مع المواطن الأردني وأي وافد آخر من دون أدنى تمييز، وهذه دخلت في مأزق تسديد الالتزامات المترتبة عليها، هي التي خصصت جزءا كبيرا من خدماتها للفئة المذكورة طوال شهور.
من الطبيعي والحالة هذه أن نتمنى على الجهات الليبية، وبتدخل من الجهات الحكومية الأردنية أن تبادر إلى الإسراع في تدقيق الكشوف والحسابات حتى تسدد ما ترتب لتلك المؤسسات من حقوق، وليأخذ كل ذي حق حقه، لأن نوع الخدمات الذي قدم لا يحتمل الديون الطويلة الأجل، لا الخدمة الطبية ولا الفندقية.
ليس مقبولا أن تطول عملية التدقيق على النحو الذي وقع إلى الآن، في ذات الوقت الذي نرى أن من حق الجهات الليبية أن لا تدفع إلا ما كان مستحقا أن تدفعه من دون زيادة ولا نقصان.
الجانب الآخر في هذه القضية يتعلق بعموم التعاطي مع الضيوف العرب والأجانب الوافدين إلى البلاد، لاسيما أولئك الذين يطلبون الخدمات العلاجية، ذلك أن روحية الاستغلال التي تتبدى في سلوك البعض، لازالت تؤثر سلبا على السمعة العامة التي يمكن القول إنها جيدة في العموم، أكان على صعيد الخدمة ذاتها، أم على صعيد الأسعار التي لا تختلف عن الأسعار المقدمة للمواطن الأردني.
المشكلة الدائمة التي تواجهنا أن التفاحة الفاسدة كثيرا ما تؤدي إلى إفساد "الصندوق”؛ الأمر الذي يستدعي قدرا من الرقابة من الجهات الحكومية والنقابية حماية لهذا القطاع الحيوي من سوء السمعة التي تؤدي إلى عزوف العرب عن القدوم للأردن طلبا للعلاج.
يبقى أن نتمنى على الإخوة الليبيين أن يبادروا إلى تدقيق الكشوف التي لديهم على نحو سريع كي يدفعوا حقوق الناس، لاسيما أن من بينهم كما قلنا، وربما نسبة كبيرة منهم قد تعاملت بروحية نظيفة لا جشع فيها ولا استغلال.