كشفت مصادر دبلوماسية إيرانية لـ"عربي بوست"، عن عرض واشنطن على طهران استئناف مفاوضات الاتفاق النووي، مقابل عدم الرد الإيراني على الهجوم الإسرائيلي الأخير الذي استهدف أصفهان، في حين أفادت مصادر حكومية أخرى بأن إيران تتعامل مع الرد الاحتلال على أنه لم ينته بعد.
عرض واشنطن لإيران، يأتي بعد أن شهدت مدينة أصفهان، الجمعة 19 أبريل/نيسان 2024، غارات قالت إيران إنها إسرائيلية، استهدفت قاعدة جوية إيرانية في المدينة، دون الإبلاغ عن وقوع أي خسائر، في حين لم يعلق الاحتلال الإسرائيلي عليها، رغم ما تناقلته الصحف الغربية عن مسؤولين إسرائيليين بأن الضربة أتت في إطار الرد الإسرائيلي على الهجوم الإيراني في 14 أبريل/نيسان 2024، وأن تل أبيب لن تعلن تبنيها رسمياً للرد لـ"أسباب استراتيجية".
عرض واشنطن لإيران: العودة للاتفاق النووي مقابل عدم الرد
كشف مسؤول دبلوماسي إيراني لـ"عربي بوست"، مفضلاً عدم نشر اسمه، عن رسالة أمريكية تلقتها طهران بعد الهجوم الإسرائيلي على أصفهان، "تقول إن إدارة بايدن مستعدة لإحياء المفاوضات النووية مع إيران مرة أخرى، مقابل عدم الرد الإيراني على الهجوم الإسرائيلي".
كانت المفاوضات النووية الهادفة لإحياء الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 أو ما يُعرف رسمياً باسم "خطة العمل الشاملة المشتركة"، توقفت منذ وقت طويل، وسط حالة جمود بين الأطراف، دون التوصل إلى صيغة مناسبة للعودة إلى الاتفاق الذي انسحبت منه إدارة دونالد ترامب عام 2018.
لكن مسؤولاً حكومياً إيرانياً رفيع المستوى مطلع على الأمر، أوضح لـ"عربي بوست"، مفضلاً عدم نشر اسمه، أن "واشنطن طرحت هذا الأمر منذ شهرين أيضاً، لكنها تقول هذه المرة إنها جدية الآن في مواصلة التفاوض".
عن الموقف الإيراني من العرض الأمريكي، قال: "طهران أبلغت واشنطن أنه قبل كل شيء، يجب وقف إطلاق النار في غزة، ومن ثم العمل على استئناف المفاوضات النووية".
يشار إلى أن هذه التطورات تأتي بعد أشهر من تبادل طهران وواشنطن 5 سجناء مقابل الإفراج عن 6 مليارات دولار من الأصول الإيرانية المجمدة في كوريا الجنوبية، قبل أن تندلع الحرب في غزة لتطغى على الملف النووي الإيراني.
وسبق أن أفادت وكالة "رويترز" بأن تقريرين سريين للوكالة الدولية للطاقة الذرية، اطلعت عليهما، جاء فيهما أن "إيران قد خصبت من اليورانيوم بدرجة نقاء تصل إلى 60%، بما يكفي لتصنيع 3 قنابل نووية، رداً على عدم التوصل لعودة إلى الاتفاق النووي".
التحسب من أن الرد الإسرائيلي لم ينتهِ بعد
على الرغم من أن الموقف الرسمي الإيراني كان التقليل من أهمية الهجوم على أصفهان، إلا أنه خلف الغرف المغلقة، يتناقش القادة الإيرانيون بشأن السيناريوهات المحتملة القادمة من "إسرائيل"، بحسب المصادر.
من جانبه، قال مسؤول أمني إيراني لـ"عربي بوست"، إن "خامنئي أمر بوضع كافة القوات الإيرانية في حالة تأهب قصوى، والعمل على الاستعداد لمواجهة أي هجوم إسرائيلي آخر".
أشار المصدر المسؤول إلى إمكانية حدوث هجوم إسرائيلي داخل الأراضي الإيرانية في الأيام القليلة القادمة، وفق التقدير الإيرانية، مؤكداً أن "هناك معلومات استخباراتية تقول إنه من المحتمل أن تقوم إسرائيل بشن هجوم ثانٍ داخل الأراضي الإيرانية، أو ضد حلفاء إيران في المنطقة".
بشأن الموقف الإيراني من الرد على الهجوم الإسرائيلي الأخير، قال المسؤول الأمني الإيراني لـ"عربي بوست"، إن "طهران تُفضل عدم الرد، لكن هذا لن يتحقق إلا إذا توقفت إسرائيل عن استهداف الأراضي الايرانية".
أضاف أنه "لا يمكن إنكار أيضاً أن هناك أصواتاً متعالية داخل دوائر صنع القرار، وبالأخص من الحرس الثوري، تنادي بضرورة وضع حد للمواجهة مع إسرائيل".
كان القادة السياسيون والعسكريون قد صرحوا في الأيام القليلة الماضية، بأن قواعد الاشتباك بين إسرائيل وطهران قد تغيرت، ليعلن قائد الحرس الثوري الإيراني حسين سلامي، بداية معادلة جديدة في التعامل الإيراني مع إسرائيل، وأن أي هجوم إسرائيلي على الأراضي الإيرانية سيُقابل برد سريع وكبير.
يقول المصدر الحكومي الإيراني ذاته إنه "لا أحد بالطبع يريد الحرب، لكن في الأيام الأخيرة أصبحت الرغبة في إثبات عدم خشية طهران من مواجهة إسرائيل متزايدة بين دوائر صنع القرار في إيران".
وأعلنت هيئة الحشد الشعبي العراقية -الموالية لإيران- ليلة السبت 20 أبريل/نيسان 2024، استهداف غارة جوية مجهولة، لقاعدة عسكرية تضم قوات من الجيش العراقي وعناصر من الحشد، ما أدى إلى مقتل عنصر من الحشد وإصابة 6 أشخاص آخرين في معسكر كالسو في محافظة بابل.
سبق كذلك أن أعلنت دمشق استهدافات إسرائيلية داخل الأراضي السورية، عقب الهجوم على أصفهان في إيران.
التحقيق بدور لأربيل في هجوم أصفهان
أكد المصدر الأمني الإيراني لـ"عربي بوست"، أن إيران تتعامل مع هجوم الطائرات بدون طيار التي استخدمت في هجوم أصفهان وفق "احتمالين اثنين، أن تكون انطلقت من مكان داخل إيران من خلال التسلل، أو من بلد قريب من إيران، وسط ترجيح بأنه إقليم كردستان العراق".
وكانت طهران استهدفت إقليم كردستان العراق أكثر من مرة، بسبب ما تقول إنها علاقات وثيقة لمدينة أربيل (عاصمة إقليم كردستان العراق) بمسؤولين وعسكريين إسرائيليين، واستقبالها اجتماعات معهم قالت إنها "تستهدف زعزعة أمن إيران".
وقال المسؤول الأمني إنه "حتى الآن لم يتم رفع التقارير الكاملة عن الهجوم إلى مكتب المرشد الأعلى، وما زال المسؤولون المتخصصون يعملون على كشف بعض الأمور، ولكن هناك معلومات استخباراتية محتملة بأن في أربيل توجد فيها طائرات حربية إسرائيلية، ما يزيد من قلق القيادة الإيرانية من احتمالية أن تكون إسرائيل لديها النية في شن هجوم آخر ضد إيران في الأيام القليلة القادمة، وألا يكون هجوم أصفهان هو الأخير".
الجدير بالذكر أن القاعدة الجوية الإيرانية في أصفهان التي استهدفها الاحتلال الإسرائيلي في 19 أبريل/نيسان 2024، هي التي انطلقت منها الصواريخ الباليستية الإيرانية تجاه قاعدة "نيفاتيم" الجوية الإسرائيلية في صحراء النقب خلال الهجوم الإيراني على إسرائيل في 14 من الشهر ذاته، في حين قالت طهران إن القاعدة الإسرائيلية هي التي تم منها انطلاق الهجوم الذي استهدف السفارة الإيرانية في دمشق، في الأول من الشهر ذاته أيضاً.
تنبيه أمريكي لإيران قبل الهجوم الإسرائيلي
أكدت مصادر إيرانية مطلعة لـ"عربي بوست"، أن طهران تلقت تنبيهاً بالهجوم الإسرائيلي "عبر دول صديقة في المنطقة، قبل حدوثه".
في هذا الصدد، قال دبلوماسي إيراني رفيع المستوى مقرب من دوائر صنع القرار في طهران لـ"عربي بوست"، مفضلاً عدم ذكر اسمه، إن "طهران تلقت رسالة من واشنطن في الأيام القليلة الماضية، مفادها أن تل أبيب عازمة على توجيه ضربة محدودة وغير تصعيدية لإيران، دون الكشف عن تفاصيل الضربة أو توقيتها".
لكنه أضاف أن "وسطاء قالوا لنا إن واشنطن حددت مع تل أبيب الأهداف الإيرانية التي سيتم استهدافها تفادياً لوقوع أي تصعيد، لكن المرشد الأعلى، دعا إلى عدم الاطمئنان بسبب ذلك، وأمر بالاستعداد الكامل لأي هجوم إسرائيلي".
وأكد كذلك أنه منذ بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، تواصل المسؤولون الإيرانيون والأمريكيون أكثر من مرة بشكل مباشر وغير مباشر في سلطنة عمان، من أجل العمل على تهدئة التوترات ومنع التصعيد.
الاستعداد الإيراني في سوريا
بالإضافة إلى رفع حالة الاستعداد داخل إيران، أقدمت طهران على إرسال تعزيزات عسكرية كبيرة إلى سوريا، لمواجهة احتمال شن هجوم إسرائيلي على مواقع الحرس الثوري الإيراني هناك.
أفادت المصادر التي تحدثت لـ"عربي بوست" في هذا التقرير، بأن قيادة الحرس الثوري الإيراني طلبت من القيادات العسكرية الإيرانية المتواجدة في سوريا، أخذ كافة التدابير والاحتياطات لمنع رصد تحركاتهم، وعدم مشاركة أي معلومات عن أماكن تواجدهم الجديدة داخل سوريا مع النظام السوري وروسيا.
في تقارير سابقة لـ"عربي بوست"، قالت مصادر إيرانية مطلعة إن طهران أبلغت حكومة النظام السوري بوجود اختراق أمني إسرائيلي داخل المؤسسات الأمنية السورية، وأن هناك من ينقل تحركات قادة الحرس الثوري الإيراني في سوريا، من داخل هذه المؤسسات إلى "إسرائيل".
كما قال المسؤول الحكومي الإيراني لـ"عربي بوست"، إن "الرئيس إبراهيم رئيسي أبلغ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مكالمة هاتفية في الأيام الماضية، أن من حق طهران معاتبة موسكو على عدم دفاعها عن القادة الإيرانيين في سوريا، من خلال تبادل المعلومات الاستخباراتية".
وأكد أن "الرئيس الروسي أبلغ نظيره الإيراني بأن موسكو لا تريد أن تتدخل في الصراع بين إسرائيل وإيران لعدم تصاعد الأمور".
يذكر أن التوترات زادت مؤخراً بين إيران والاحتلال الإسرائيلي على إثر العدوان الذي يشنه جيش الاحتلال على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، في حين قام حلفاء طهران في المنطقة بتنفيذ هجمات على "إسرائيل" تضامناً مع الفلسطينيين، إلا أن الاحتلال اتهم طهران بالمسؤولية عن ذلك، وقام باستهداف عدد من قادتها في سوريا والعراق، الأمر الذي أشعل الأمور بينهما.