يبدو أنّ رئيس وزراء الاحتلال، بنايمين نتنياهو، الذي أثبت فشله في السياسة والحرب معًا، يستمرُّ بتصدير فشله؛ إذْ إنّه اكتشف موهبة أخرى لديه وهي كتابة التصورات المتناقضة، كلّ هذا على ما يبدو في سبيل إطالة أمد هذه الحرب، وبالتالي محاولة لإنعاش وضعه السياسيّ الميّت.
في خطة تعيدُ خلط الأوراق، وتُرجع الأمور إلى (المسافة صفر)، طرح رئيس وزراء الاحتلال نتانياهو، خطته لمستقبل غزة؛ نظرًا لما تحمله من إعلان نوايا وتوجهات مثيرة للجدل، وبعيدة عن مسار الجهود الدولية الجارية لإيجاد حل سريع ومناسب وطويل الأمد للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ما قد يعرّض فرص تنفيذها لتحديات إقليمية ودولية، فضلًا عن إمكانية تحقيقها على أرض الواقع.
وهذه المرة الأولى التي يقدم فيها نتانياهو لوزراء الحكومة موقفًا مكتوبًا، أشبه بمسرحية عثبية، بشأن خططه لليوم التالي للحرب في غزة، وتتناول المبادئ الواردة في الوثيقة بشكل عام العديد من المجالات الرئيسية لقطاع غزة ودولة الاحتلال ما بعد الحرب.
مع ذلك، يبدو أن الخطة المقدمة "تفتقر إلى التفاصيل الملموسة"، وتستند إلى حد كبير إلى تصريحات نتانياهو العلنية في الأشهر القليلة الماضية، وفق ما كشف موقع "أكسيوس" الأميركي.
ونقل الموقع عن أحد كبار مستشاري نتانياهو قوله إن الهدف من طرح الوثيقة هو "تقديم مبادئ من شأنها أن تحظى بأكبر قدر ممكن من الإجماع"، لكنه أشار إلى أن المشاورات في مجلس الوزراء ستؤدي على الأرجح إلى تغييرات قبل الموافقة على الخطة.
وتضمنت خطة نتانياهو إعلان نوايا حول العديد من الملفات والقضايا الشائكة المتعلقة بمرحلة ما بعد الحرب، والتي شهدت نقاشًا ساخنًا وانقسامًا حولها خلال الأشهر الماضية، في الداخل الإسرائيلي وعلى الصعيد الدولي، مثل ملف إعادة إعمار غزة والاعتراف بالدولة الفلسطينية، إضافة إلى التواجد الإسرائيلي في القطاع بعد الحرب.
ويريد بحسب خطته أن تبقي إسرائيل سيطرتها الأمنية على غزة والضفة الغربية، وأن يحافظ جيشها على حرية العمل في جميع أنحاء قطاع غزة إلى أجل غير مسمى، مع إقامة منطقة أمنية داخل القطاع، على أن تسيطر إسرائيل على المنطقة الحدودية بين مصر وغزة، وهي مواقف سبق أن عبّر عنها نتانياهو في تصريحاته.
كما تشير الوثيقة إلى أن قطاع غزة سيكون منزوع السلاح بالكامل باستثناء الأسلحة "الضرورية للحفاظ على النظام العام"، حيث ستكون إسرائيل مسؤولة عن مراقبة نزع السلاح وضمان عدم انتهاكه، على أن تكون إعادة إعمار قطاع غزة غير ممكنة قبل إتمام هذا البند، والانطلاق بجهود "اجتثاث التطرف" في جميع المؤسسات الدينية والتعليمية والاجتماعية في قطاع غزة، وهي مواقف لم يسبق أن عبر عنها رئيس الحكومة الإسرائيلية.
ولا تحدد الوثيقة بوضوح تصورات نتانياهو بشأن حكم غزة بعد الحرب، لكنها تقول إن "عناصر محلية ذات خبرة إدارية، غير مرتبطة بالدول أو الكيانات التي تدعم الإرهاب أو تتلقى تمويلا منها"، ستكون مسؤولة عن الإدارة المدنية وحفظ النظام العام بالقطاع، وخلافا لتصريحات نتانياهو السابقة، فإن الوثيقة "لا تستبعد" أن تلعب السلطة الفلسطينية دورا في إدارة غزة، رغم أنها لا تذكر السلطة على وجه التحديد، حسبما ذكر موقع "أكسيوس".
الأبرز في الوثيقة كان التأكيد على مسألتين تم تبنيهما في وقت سابق من هذا الأسبوع من قبل كل من الحكومة الإسرائيلية والكنيست، الأولى رفض إسرائيل بشكل قاطع ما وصفته بـ "الإملاءات الدولية" فيما يتعلق بالتسوية الدائمة مع الفلسطينيين، ومعارضة "الاعتراف أحادي الجانب بالدولة الفلسطينية"، والذي تعتبره الخطة "مكافأة على الإرهاب تمنع أي تسوية سلمية مستقبلية".
ويمثل تنفيذ كل بند من هذه البنود موضع إشكاليات بحد ذاته، لا سيما لناحية حاجة العديد من هذه البنود إلى دعم دولي وجهود عربية صوب تحقيقه، فضلا عن حد أدنى من القبول الفلسطيني، لكي تكون قابلة للتطبيق، في وقت تتعارض هذه البنود مع العديد من المواقف المُعَلنة لدول عربية وغربية فاعلة ومؤثرة في هذه القضية.
على سبيل المثال، يعتمد بند إعادة الإعمار على مشاركة سعودية وإماراتية في تلك الجهود، فضلا عن دور محتمل للدولتين الخليجيتين في خطة "اجتثاث التطرف"، في وقت سبق وأعلن الطرفان موقفهما الرافض للمشاركة في أي خطة "لليوم التالي" في غزة إذا لم تتضمن مسارا مضمونا لإقامة دولة فلسطينية.
كذلك، تتطلب سيطرةدولى الاحتلالعلى حدود قطاع غزة مع مصر قبولًا وتنسيقًا مع القاهرة، التي لا تزال ترفض علنًا هذا المطلب، فضلًا عن مطالبتها بحل للنزاع يكون عادلًٍا للفلسطينيين يضمن إقامة دولتهم، وتخوض إلى جانب قطر والولايات المتحدة جهودًا في سبيل إتمام المفاوضات لوقف إطلاق نار دائم في غزة، وهو ما لا يتوافق مع بنود الخطة المطروحة من نتانياهو.