هشام زهران-اجتهد العضو المستقيل من هيئة مكافحة الفساد الدكتور عبد الرزاق بني هاني - أمين عام وزارة التخطيط الأسبق- بشرح مفهوم "بنية الفساد" مجريا في الندوة التي انعقدت في الجمعية الأردنية للعلوم والثقافة أمس الأول مقارنة هندسية بين لعبة "الليغو" وعملية الفساد معبرا عن قناعته ان قضايا الفساد التي يتناولها الإعلام والمواطنون ليست سوى القطع الأقل أهمية في اللعبة. فحقيقة الفساد أعظم من مجرد قضية اختلاس هنا او هناك بل هي لعبة كاملة وشاملة والفساد ضخم وجامح اجتاح كل زاوية في أركان الدولة والمجتمع بسبب نقص في التشريع أو أخطاء مسؤولين, وأصبح الفساد بمرور الوقت مع الإرهاب الذي يمارسه الفاسدون إفسادا ومؤسسة نعيش خلالها وفي جوفها ونحسبها إصلاحا وهي تحكم من خلالنا "على حد تعبيره".
وإن كان بني هاني تجنب في الندوة التي أدارها عضو الجمعية م.نجاتي الشخشير الخوض في تفاصيل استقالته من هيئة مكافحة الفساد لقناعته أن الإرادة الخيرة في المجتمع الاردني تقابل بالتشكيك إلا أنه في خضم النقاش المستفيض مع الحضور فجّر مفاجآت من عيار ثقيل تتعلق بقضايا فساد عايشها وتتناول أسماء كبيرة ومعروفة - تحجم عن التطرق لتفاصيلها - لأن بني هاني وعلى حد تعبيره"لم يكن يوما ما يتوقع أن يحل الربيع العربي ليحتفظ بوثائق رسمية عنها"لكنه أكد مجددا أنه استقال من هيئة مكافحة الفساد بإرادته الخيرة ولم يضغط عليه احد وكان قراره ذاتيا وسببه قناعته بأنه" لولا الثقافة الفاسدة لما بيعت البلد دون أن نتحدث عن من باع"
بني هاني بدا متشائما في قناعته بجدية نهج محاربة الفساد فقال " إذا كنا نظن اننا سنمسك بمؤسسة الفساد نكون واهمين لأن ما صنعه الفاسدون خلال عقود اخذ شكلا ماديا له أعمدة وجدران يصعب التعرف عليه او إزالته بسهولة وسنحتاج إذا بدأنا اليوم لأكثر من عقدين إلى تحويل الحالة الفاسدة إلى اقل فسادا لأن الإعمار أصعب من التخريب والتخريب الاقتصادي الذي حدث في السنوات العشر الماضية على يد المخربين الجدد يحتاج الى 30عاما لإصلاحه إلا إذا حدثت معجزة"
وتابع يقول"نظرت في كثير من قضايا الفساد وبحثت موضوعيا في أسباب حدوثها فوجدت أنها مجرد أعراض للمرض وان الفساد الحقيقي يسير جنبا الى جنب مع الدولة الضعيفة التي تؤمن بالسلطة المطلقة وفيها الرعايا ضعفاء ومفكروها مصابون بالعجز وبلا إرادة وبحالة السكوت والتقوقع"
وفتح بني هاني النار على من وصفهم "بفئة المخربين الجدد الذين اثروا على حساب الشعب وهم ليسوا سوى مارقين أفاقين لعبوا على المجتمع والدولة بمشاريع وهمية تشبه السيرك وبهلوانهم الكبير جند عددا من أبناء البلد لإضفاء الشرعية الاجتماعية على أعمالهم وشرّعوا القوانين وفككوا ممتلكات الدولة بهدف تركيعها وفككوا المجتمع لدفعه للاستسلام لقدر مجهول ونجحوا في تكريس الجهوية وتكسير هيبة الدولة وأوصلوا البلد الى المديونية الكبيرة وعجز الموازنة "
واعتبر بني هاني أن" غياب الإرادة سببا في تفشي الفساد واستغلال الشعب" وعرض لمفارقة مفادها أن" المسؤول الفاسد في الغرب ينتحر إذا ما اكتشف فساده وعندنا طبقة تدافع دائما عن الفاسدين والإرادة الحرة للمواطن الأردني انكسرت الآن أمام الشبق الى السلطة ورياح الفساد وتم خداعنا حتى وصلنا الى حد لم نعد معه معنيون بمعرفة الحقيقة. وقد أولينا أمر التنمية الاقتصادية والسياسية الى مجموعة من الدجالين خدعونا"
وأضاف" ما تم في بلادنا تزوير لإرادة الشعب وإرادة ممثليه النواب فانفردت السلطة التنفيذية في التشريع وحصل زواج محارم بين مشاريع وهمية وتخاصية قادتها مجموعة متنفذين فاسدين وصور الفساد تداخلت عندنا بطريقة مريعة... من نصوص دستور قاصرة تفتقر الى آليات لتحقيقها وقوانين غير صالحة لمحاربة الفساد واقتصاد متهالك نبقيه حيا بالقروض مقابل استحقاقات سياسية ورجال دولة فاسدين ومجتمع مفتت أساسه مدمر ونسيجه متهتك أضعفه الفاسدون إلى تسليع منظم للإعلام وثقافة فاسدة ومناهج فاشلة تنتج إنسانا داروينيا وأنانيا يقدم العشيرة على الوطن"
وتابع يقول"نحن بالمحصلة لا نعيش في وطن بل جغرافيا سياسية مشوهة ونحن وفق نظرية الضوضاء السياسية نعيش في مستنقع يتراشق من فيه بعضهم بعضاً في كل الاتجاهات وجميع الإشارات الضوئية مفتوحة والهدف من هذه الحالة هروب الفاسدين بعد أن يصفي الناس بعضهم وبعد أن وضع الفاسدون أسافين بين المواطنين حتى انتقلت العدوى الى العشيرة والجامعة وهذه ليست صدفة بل مخطط ليسود الفساد بينما يقتتل الناس على كراسي التمثيل"
وعبر بني هاني عن قناعته بأن "اختلاس المال العام يأتي في أدنى درجات قائمة الفساد والأقل خطرا في الحلقة فهذا زمن الفساد بامتياز وزمن الفهلوة وإدارتها. والفاسدون يترصدون الشرفاء ومحاربة الفساد تتم أحيانا من قبل فاسدين, وبعض من هم معنيون بمحاربة الفساد صمتوا عن ملفات من أجل الكراسي"
رئيس الجمعية المهندس سمير الحباشنة علق في مداخلة له على حديث المحاضر بالقول" مكافحة الفساد لا تتم وهزيمته لا تكتمل إلا إذا حصرنا الفساد في نقاط ضيقة حتى لا ينتشر وهذا يتم بالعمل المؤسسي وتفعيل اذرع الدولة ويجب أن تتحالف القوى الخيرة في بلدنا في إطار سياسي لتواجه الخطر القادم وان ندفع قدما باتجاه برلمان نظيف وقوي وفعال على أسس سليمة"
ودعا الوزير الأسبق د.عادل الشريدة إلى "التركيز على ما ينشر حول حجم الفساد في الأردن ودراسة أثره على الاستثمار كما حذر من بيوعات لأراض تتم عبر وكلاء لا يعرف إلى أين تنتهي "
الوزير الأسبق د.عبد الحافظ الشخانبة قال ان "الهدف الأساسي من عملية التخريب هو تركيع الدولة ويجب أن نحاكم حقبة بأكملها. ومجالس وزراء صاحبة ولاية مسؤولة عن فساد حقبة"
وقال ان "التخاصية لها ثلاثة شروط وهي أن تأتي برأسمال جديد وخبرات جديدة وتفتح أسواق جديدة ولم تتحقق هذه الشروط في التخاصية الأردنية"وحذر من أن الأردن يسير نحو حالة عام 1989 من حيث وضع العملة فمالكو شركات تمت خصخصتها يحولون الأرباح بالعملة الصعبة الى الخارج".