أطلق البنك الدولي بالتعاون مع منتدى الاستراتيجيات الأردني واللجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة تقرير "المرصد الاقتصادي للأردن - خريف 2023" الذي يصدره البنك بشكل دوري وجاء بعنوان "بناء النجاح وكسر الحواجز: إطلاق القوة الاقتصادية للمرأة في الأردن".
وبين رئيس الهيئة الإدارية لمنتدى الاستراتيجيات الأردني الشريف فارس شرف الذي أدار الجلسة الحوارية، بحضور عدد من أعضاء المنتدى والخبراء وممثلي المؤسسات المحلية والدولية، أن التقرير يقدم مؤشرات هامة حول تطورات الاقتصاد الأردني، ويضعها ضمن السياق المحلي والإقليمي والعالمي، مما يعطي بعداً شاملاً وتحليلاً دقيقاً للمشهد الاقتصادي في الأردن، مؤكداً ضرورة البناء على هذه النتائج لصياغة سياسات وبرامج تدعم التنمية المستدامة في الأردن، وتعزز من منعة الاقتصاد الأردني.
وأعربت الممثل المقيم لدى البنك الدولي في الأردن هولي بينر، أن نتائج التقرير أظهرت أن المسار الاقتصادي للأردن لا يزال يظهر قدرة على الصمود في وجه التحديات العالمية والمحلية، فقد بلغ النمو الاقتصادي 2.7بالمئة في النصف الأول من عام 2023، مدفوعا بالنمو القوي في قطاع الخدمات وتعافي قطاع الزراعة.
ومع ذلك، لا تزال القيود الهيكلية تشكل عبئا على سوق العمل، حيث تواصل معدلات المشاركة في قوة العمل تراجعها، سواء بالنسبة للرجال أو النساء، مشيرة إلى أن الأردن يعمل في إطار إستراتيجية تمكين المرأة في رؤية التحديث الاقتصادي 2033 والاستراتيجية الوطنية للمرأة 2020-2025، على النهوض بإصلاحات مهمة تهدف إلى مضاعفة مشاركة المرأة في قوة العمل على مدى السنوات العشر المقبلة.
من جانبها، استعرضت الخبيرة الاقتصادية الأولى في البنك الدولي الدكتورة هدى يوسف، نتائج التقرير مشيرة إلى أن الأردن تعامل بحرص لاجتياز أوقات عصيبة، لكن القيود الهيكلية المترسخة لا تزال تلقي بظلالها على الاقتصاد. ولا يزال التحدي الرئيسي الذي يواجه الأردن هو خلق فرص العمل، حيث إن النمو الاقتصادي لم يُترجم بعد إلى زيادة في فرص عمل، لا سيما في القطاعات ذات الإنتاجية الأعلى، مؤكدة ضرورة وضع الدين العام على مسار تنازلي لضمان استدامة المالية العامة على المدى الطويل وتهيئة بيئة اقتصادية داعمة للأجيال القادمة.
وبينت نتائج تقرير المرصد الاقتصادي أنه وفي المرحلة المقبلة، من المتوقع أن يصل معدل النمو إلى 2،6 بالمئة عام 2023.
كما من المتوقع أن ينخفض عجز الحساب الجاري والمالية العامة إلى 6.6 و5.2 بالمئةعلى التوالي، وتشير التقديرات إلى أن معدل التضخم سيتباطأ إلى حوالي 2.4 بالمئة وفيما لا تزال البيئة العالمية حافلة بالتحديات.
كما وأوضح التقرير أن الصراع والتوترات الجيوسياسية في المنطقة تؤثر سلباً على إقبال المستثمرين على المخاطرة، وقد يؤدي ذلك إلى تعطل تدفقات التجارة، والنشاط السياحي (والقطاعات الأكبر الأخرى من خلال الروابط الخلفية والأمامية في الاقتصاد)، وتقلب أسواق الطاقة، والتأثير اللاحق على الاستهلاك وتكلفة الإنتاج.
وأكد التقرير انه ومع مواصلة الأردن اجتياز أوضاع اقتصادية صعبة وصدمات مستمرة، يعتبر التركيز المستمر على إطلاق الإمكانات الاقتصادية للمرأة عاملاً في غاية الأهمية في دعم مسار النمو والتنمية في الأردن على المدى الطويل.
وفي هذا السياق، استعرضت أخصائية النوع الاجتماعي لدى البنك الدولي نور المغربي نتائج الفصل الثاني للتقرير الذي حمل عنوان "تحت المجهر"، والذي سلط الضوء على دور المرأة ومشاركتها الاقتصادية المتزايدة باعتبارها عنصرًا أساسيًا في أجندة التنمية في الأردن، مشيرة إلى أن التحليل يتخذ نهج دورة الحياة ويتتبع رحلة الفتيات والنساء منذ الولادة وخلال فترة التعليم وحتى سوق العمل.
ويسلط الضوء على اثنين من العوائق الرئيسية التي تحول دون زيادة مشاركة المرأة بالاقتصاد، وهي كل من رعاية الأطفال والنقل العام.
وأكدت في هذا الإطار على أن التجديد المؤسسي الشامل، إلى جانب السياسات التمكينية والإشارة الواضحة فيما يتعلق بدور المرأة، كلها أمور حاسمة في إزالة الحواجز وتسهيل إدماج المرأة في القوى العاملة.
من جانبها، بينت رئيسة اللجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة المهندسة مها علي أن المشاركة الاقتصادية للإناث في الأردن تعكس العديد من التحديات التي يواجهها الاقتصاد الأردني، وأهمها عدم استحداث فرص عمل كافية لاستيعاب أعداد الباحثين عن عمل، مشيرة على أن العادات الاجتماعية لا تقف عائقاً أمام مشاركة المرأة الاقتصادية إلا عندما تكون متعلقة ببعض القطاعات وأوقات العمل.
وأوضحت المهندسة علي أنه على الرغم من التعديلات الأخيرة التي طرأت على قوانين العمل والضمان الاجتماعي، إلا أنها غير كافية لزيادة مشاركة المرأة الاقتصادية واستدامة عمل القطاع الخاص، - الموظف الأكبر للعاملين في الأردن-.
وبينت وزيرة النقل الأسبق الدكتورة لينا شبيب أن هناك العديد من العوامل التي يجب أخذها بعين الاعتبار عند النظر لقطاع النقل ومساهمته في زيادة المشاركة الاقتصادية، وخاصة للإناث. مبينة أن القدرة للوصول لوسائط نقل عام آمنة وبأسعار معقولة، ما بين المحافظات وداخلها، وبما يواكب حاجات المواطنين، أصبح ضرورة قصوى.
من جانبه علق المدير الأسبق لمؤسسة الضمان الاجتماعي وزميل منتدى الاستراتيجيات الأردني الدكتور حازم رحاحلة على نتائج التقرير، مشيراً إلى أن الأردن قام باستحداث العديد من البرامج لتوفير الحماية الاجتماعية للمرأة العاملة، مثل تغطية إجازة الأمومة، وبرنامج رعاية لدعم المرأة العاملة من خلال تحمل جزء من تكلفة الحضانات.
واشارت إلى مثل هذه البرامج وغيرها قد ساهم في زيادة مشاركة المرأة في سوق العمل، إلا أنه ومع زيادة نسبة البطالة بين الإناث خلال السنوات الماضية، وارتفاعها إلى 33بالمئة، يبقى العامل الأكبر المسبب في ضعف المشاركة الاقتصادية للإناث هو جانب العرض من فرص العمل، مؤكدا في هذا السياق ضرورة توجيه السياسات لتمكين المرأة، وزيادة جانب العرض في الاقتصاد.
واعتبر رئيس مجلس إدارة شركة البترول الوطنية المهندس ليث القاسم أن القوانين المقيدة لعمل القطاع الخاص، تقف عائقاً أمام عمله بفاعلية في الاقتصاد، وهو ما يؤثر بدوره على زيادة نسبة الاقتصاد غير الرسمي، نظراً لأن العاملين في القطاع غير الرسمي والمقدر نسبتهم بحوالي 60 بالمئة من القوى العاملة، يفضلون عدم التحول للقطاع الرسمي، بسبب التعقيدات القانونية والإجراءات الطويلة المرتبطة بتأسيس الأعمال.
واكد أن هذا الواقع يظهر الحاجة إلى المزيد من العمل لإيجاد بيئة ناظمة وصديقة للأعمال، تمكن القطاع الخاص من العمل وخلق الفرص، وتدعم التحول للقطاع الرسمي.
ودار نقاش بين المشاركين حول نتائج التقرير ضمن محاوره المختلفة، والأثر المحتمل للحرب في غزة على الاقتصاد الأردني، مؤكدين أهمية التكامل ما بين القطاعين العام والخاص والمؤسسات المحلية والدولية لزيادة منعة الاقتصاد الأردني ومرونته في مجابهة التحديات المختلفة.