ووجهت الحملة الرابعة لاتفاق إعادة المخطوفين بين إسرائيل وحماس أمس بمشكلة منذ الصباح. فقد رفضت إسرائيل القائمة الأولى وفيها 11 اسماً من المدنيين، معظمهم من النساء، التي أرسلتها حماس عبر الوسطاء القطريين. في المقابل، كان لحماس أيضاً ملاحظات على الأسماء الواردة في قائمة السجناء الأمنيين الذين تنوي إسرائيل إطلاق سراحهم. كما يبدو، هناك مشكلات حقيقية في العثور على جزء من المخطوفين المشمولين في الاتفاق إزاء الأضرار الكبيرة التي تسببت بها الحرب في قطاع غزة. ولكن إسرائيل تملك أساساً قوياً للشك بأن العقبات التي تضعها حماس لا تنبع من صعوبات على الأرض فحسب.
حتى المساء، تم التوصل إلى قائمة متفق عليها، شملت عودة امرأتين وتسعة أطفال من "نير عوز” [مستوطنة]. مع ذلك، كان واضحاً تماماً أن رئيس حماس، يحيى السنوار، كان يمارس حرباً نفسية على صيغة "ألعاب الجوع” للفصل بين الوالدين والأطفال، وبين الأخوة والأخوات، بكل أنواع التبرير، بحيث تتم إعادة جزء منهم فقط إلى عائلاتهم فوراً. التأخير الذي استمر أمس لساعات، نبع من محاولة حماس إعادة أطفال بدون الأمهات خلافاً لاتفاق مسبق، ونشر الأكاذيب حول صعوبة العثور على الأمهات. هذا رغم أن فتاة عادت السبت شهدت بأن والدتها فصلت عنها قبل يومين من عودتها.
إلى جانب الانفعال المفهوم الذي أثارته لأفلام المؤثرة للمخطوفين الذين تم لم شملهم مع أقربائهم في نهاية نضال من أجل إطلاق سراحهم الذي استمر 50 يوماً، يجب التذكر بأن الأغلبية الساحقة من العائدين مرت بصدمة فظيعة. كثيرون منهم فقدوا أبناء عائلة في الهجوم الإرهابي في 7 تشرين الأول، وآخرون اكتشفوا مصير أعزائهم عند عودتهم إلى البلاد. ومن الأفضل عدم استخلاص استنتاجات كبيرة جداً من شهادات عدد من العائدين، التي تسمع بواسطة عائلاتهم، أنهم حصلوا على معاملة معقولة في الأسر. لقد سبق أن مروا بفظائع عندما اقتحمت خلايا الموت التابعة لحماس بلدات الغلاف أثناء الهجوم.
يجب التذكير أيضاً بالشهادات المتزايدة، بما في ذلك تقرير الجمعية الدولية "أطباء من أجل حقوق الإنسان”، حول ظاهرة واسعة من الاعتداء الجنسي ضد نساء أثناء هجوم حماس. بالأمس، نشرت الجمعية تقريراً مفصلاً حول ذلك، وهو يتطابق مع استنتاجات تقرير مشابه في إسرائيل. "نؤكد مجدداً في هذا السياق أيضاً على ضرورة إطلاق سراح المخطوفين في غزة، وأن يحصل من تعرضوا للعنف الجنسي أو شهدوه على مساعدة طبية ونفسية مستعجلة، في ظروف وأماكن تسمح لهم بالتعافي.
ينص الاتفاق بين الطرفين على أنه يمكن تمديد وقف إطلاق النار ليوم آخر مقابل كل 10 مخطوفين تطلق حماس سراحهم. أمس، أعلن الطرفان بأنه تم تمديد وقف إطلاق النار ليومين، ويبدو أن لحماس مصلحة واضحة في ذلك، فهو يمكنها من النهوض بعد فقدان الآلاف من رجالها في المعارك التي وقعت شمالي القطاع، بعد أن قتل عشرات كثيرة من قيادة الذراع العسكري من رتبة قائد فصيل وحتى قائد لواء، هذا أولاً. وثانياً، تطمح حماس إلى وقف طويل لإطلاق النار يمكنها من ترسيخ إنجازاتها من الهجوم في بداية الحرب والبدء في المفاوضات على إطلاق سراح كبير – أكثر من 100 مخطوف إسرائيلي، وجنود ومدنيين، مقابل مطالبته بإطلاق سراح آلاف السجناء الأمنيين الفلسطينيين في إسرائيل.
قطر هي التي تساعد حماس في ذلك، إذ رغم المساعدات المالية والسياسية الكبيرة التي قدمتها لحماس في الـ 16 سنة الأخيرة، فإنها تحظى الآن بتعاطف في الساحة الدولية بفضل نجاح جهودها في الوساطة في الصفقة. رئيس حكومة قطر، محمد آل ثاني، قال في المقابلات هذا الأسبوع إن استئصال سلطة حماس ليس هدفاً حقيقياً، وإن الحل الوحيد للأزمة هو إقامة دولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية وقطاع غزة.
عندما جند رئيس الحكومة نتنياهو وزراء قائمة "الصهيونية الدينية” في تصويت الحكومة على الصفقة، وعدهم بعدم تمديد وقف إطلاق النار بأكثر من عشرة أيام إضافة إلى الأيام الأربعة الأولى. في الأيام القريبة القادمة، يتوقع حدوث توتر زائد في أوساط الجمهور الإسرائيلي، بين من يطالبون بإعطاء أي فرصة لإطلاق سراح مخطوفين آخرين (ويخافون تعريض حياتهم للخطر جراء استمرار القتال بقوة كبيرة) وبين من يحذرون من فقدان زخم الجهود الهجومية للجيش الإسرائيلي. يعتقد أعضاء المجموعة الثانية أن التأجيل المتكرر لاستئناف القتال سيساعد في إنقاذ حكم حماس. الاستطلاعات الأولية التي أجريت تدل على وجود اختلاف في أوساط الجمهور. فرغم الفرح بإعادة المخطوفين، فإن الكثير من المواطنين يؤكدون الحاجة لاستئناف الهجوم العسكري. تنكيل حماس النفسي أثناء الاتصالات قد يعزز تأييد عملية عسكرية أكثر حزماً.
إذا ما تم استئناف القتال، يبقى للجيش الإسرائيلي نحو 20 في المئة من أراضي شمال القطاع التي لم تُحتلّ يعد برياً، خصوصاً مخيم جباليا وأحياء الزيتون والشجاعية في شمال وشرق مدينة غزة. تشير إسرائيل بوضوح إلى أنها تنوي فحص القيام بعملية عسكرية واسعة في خانيونس جنوبي القطاع، حيث تتركز كتائب حماس التي لم تتضرر، وقيادة المنظمة أيضاً. الصعوبة الأكبر التي ذكرت سابقاً تتعلق بالحاجة إلى المناورة في منطقة مكتظة بالسكان بشكل خاص – نحو مليوني إنسان، بعد أن نزح معظم سكان شمال القطاع إلى الجنوب بضغط من إسرائيل. تناقش إسرائيل مع الولايات المتحدة والأمم المتحدة ومنظمات دولية إقامة مدن من الخيام للاجئين على شاطئ غزة. وهذه العمليات لم تنضج بعد، رغم أنه شوهد في أيام الهدنة تحسن في أداء الممر الإنساني في معبر رفح.
حرب المستوطنين
انشغال إسرائيل المتلعثم بالتأثيرات الإنسانية لعملية في جنوب القطاع يزيد التوتر بين حكومة نتنياهو والإدارة الأمريكية. الرئيس الأمريكي الذي يواصل إظهار دعمه لإسرائيل، أشار أول أمس بأن زعماء عرباً يأملون أن تسقط إسرائيل سلطة حماس في غزة. "جميع اللاعبين في المنطقة يريدون انتهاء هذه الحرب بعودة جميع المخطوفين إلى بيوتهم، وألا تسيطر حماس على أي جزء في غزة”، قال. ولكن الأمريكيين يقلقون من عدة خطوات إسرائيلية مثل تصميم إسرائيل على القيام بعملية واسعة في الجنوب؛ وسلوك خطير من قبل المستوطنين المتطرفين في الضفة الغربية؛ والتهديد المتكرر لوزراء ومتطرفين بشن حرب ضد "حزب الله” في لبنان؛ والرفض المطلق لمناقشة طبيعة الاتفاق المرغوب فيه لـ "اليوم التالي” في القطاع.
كان جهاز الأمن بدأ بجس نبض أولي حول خطط تحاول رسم مستقبل آخر في قطاع غزة، إذا ما تمت هزيمة حماس عسكرياً. احتمالية تطبيق ذلك غير واضحة، لكن الحديث يدور عن ترتيبات قد تشمل الدعم الاقتصادي من قبل دول الخليج بتنسيق وثيق مع مصر ووجود محتمل لقوة عربية دولية وربما موطئ قدم للسلطة الفلسطينية، هذا بواسطة لجنة مدنية يتم تشكيلها من سكان القطاع وتدير القضايا الاجتماعية والإنسانية الملحة حسب الحاجة.
الجزء الأخير هو ما يقلق نتنياهو. فهو مكبل بيد قوائم اليمين المتطرف والمستوطنين الذين يحاربون كل فكرة تشمل دمج السلطة. وينبع هذا النضال بالأساس من الخوف من استغلال الولايات المتحدة والسعودية ذلك لإعادة تفعيل العملية السياسية وحل الدولتين، بصورة تجبر إسرائيل على تقديم تنازلات في الضفة الغربية.
مصادر أمنية قالت للصحيفة إن نتنياهو، بضغط من الشركاء السياسيين، يمنع أي نقاش في ذلك، وأن "كابنت الحرب” يتصرف مثل مجلس حربي ولا ينشغل إلا بالجوانب التكتيكية – العملياتية، حيث يجلس على الطاولة جنرالات متقاعدون يقدمون الاستشارة العملياتية”. حسب قولهم، على المستوى السياسي أن يستيقظ ويدرك أنه يجب البدء في الحوار مع الولايات المتحدة حول القضايا المهمة بالنسبة للإدارة الأمريكية من أجل الحفاظ على الدعم الأمريكي الذي سيصبح حاسماً أكثر إذا تم استئناف القتال بقوة أكبر.
ضرر إيراني غير مباشر
في الوقت الذي تسود فيه غزة ولبنان حالة هدوء نسبي، ثمة مشكلة تتطور لإسرائيل، وربما لكل المنطقة، في البحر الأحمر. الحوثيون في اليمن، الشركاء المستقلون جداً لإيران، يطبقون تهديداتهم ويشددون هجماتهم على الملاحة البحرية في المنطقة رداً على الحرب في غزة. في الأسبوع الماضي تم اختطاف سفينة بملكية جزئية لشخص إسرائيلي، وتم استخدام مسيّرة انتحارية ضد سفينة أخرى في بحر العرب. وهي أحداث تضاف إلى سلسلة محاولات للحوثيين لإطلاق صواريخ كروز ومسيرات وصواريخ بالستية نحو إيلات.
وتواجه إسرائيل هذه الهجمات بشكل جيد الآن بمساعدة من الولايات المتحدة. ولكن المشكلة الأخطر التي بدأت تتفاقم هنا ولها تأثيرات إقليمية، وهي أن الحوثيين يخربون المواصلات البحرية بشكل متعمد ويختارون سفناً لها صلة ضئيلة بإسرائيل. مع مرور الوقت، ربما تزيد مثل هذه الهجمات أسعار تأمين السفن التي تبحر من شرق آسيا نحو إسرائيل، أو إجبارها على اختيار مسار ملاحة أطول وأعلى سعراً، المقرون بضرورة الدوران حول إفريقيا والوصول إلى شرق البحر المتوسط عبر جبل طارق.
تعتمد إسرائيل بشكل كبير على التجارة البحرية لحصولها على البضائع من الخارج. والتدهور الأمني في البحر الأحمر يمكن ذو نتائج إشكالية، منها المس بأداء ميناء إيلات. أما إيران، فقد نجحت في إلحاق أضرار غير مباشرة بإسرائيل، ودون دفع الثمن على إسهامها في التدهور الإقليمي.