لجأت قوات الاحتلال الإسرائيلي إلى أسلوب جديد لإخلاء العديد من المشافي الفلسطينية، اعتمد على قصف عنيف لمحيط تلك المشافي بشكل أكبر بكثير مما كان عليه الوضع خلال الأيام الماضية من الحرب، فأصابت العديد من مرافق تلك المشافي، التي تعاني بالأصل من نقص في إمدادات الدواء والوقود، في وقت اشتدت فيه عمليات القصف الجوي للقطاع، بالترافق مع عمليات التوغل البرية قرب الحدود، والتي تصدت لها المقاومة من جديد بعمليات تفجير واستهداف بقذائف مضادة للدروع.
استهداف المشافي
وعاش المصابون والمرضى والطواقم الطبية في مشافي الإندونيسي شمال قطاع غزة، وفي مشفى القدس بمدينة غزة، ومشفى الصداقة التركي جنوب مدينة غزة، ساعات عصيبة حين قام الطيران الحربي الإسرائيلي، وبشكل متعمد، باستهداف مناطق لا تبعد سوى أمتار قليلة عن مرافق المشفيين الأولين، فيما استهدف أحد طوابق المشفى الثالث.
كما استهدفت الغارات الجوية أيضاً محيط مستشفى غزة الأوروبي جنوب قطاع غزة، رغم أنه يقع في مناطق الجنوب.
وأحدثت الغارات الجديدة دماراً وخراباً في الكثير من أقسام تلك المشافي، وأدت إلى وقوع إصابات في صفوف المتواجدين بداخلها سواء من المرضى أو الطواقم الطبية، أو آلاف النازحين الذين لجأوا إليها، باعتبارها مناطق محرم استهدافها في الحرب.
وكانت سلطات الاحتلال جددت، الإثنين، تحذيرها لمشفى القدس، وطالبت بإخلائه تمهيداً لقصفه، غير مكترثة بكم التنديدات الدولية التي أكدت أن الأمر يعد مخالفة للقانون الدولي، ويعتبر "جريمة حرب”، فيما أكدت إدارة المشفى من جديد أنها لن تذعن للتهديد الإسرائيلي، وستواصل تقديم الخدمات الطبية.
يؤكد شهود أنهم يسمعون، بعد مرور أكثر من 24 ساعة، أصواتاً تخرج من تحت الركام لمصابين، في وقت لا تستطيع آليات فرق الإنقاذ القيام بانتشالهم، لافتقارها أولاً للوقود
وقال نازحون لجأوا إلى مشفى القدس إنهم عاشوا ساعات عصيبة امتدت منذ أن حلّ ليل الإثنين وحتى فجر الثلاثاء، بعد سقوط صواريخ على مقربة من مباني المشفى، مؤكدين أنهم شاهدوا ألسنة اللهب وهي تتعالى بفعل تلك الغارات.
وأشاروا إلى أنهم كانوا يترقبون أن يقضوا نحبهم في كل دقيقة، وأن أطفالهم لم يناموا طوال ساعات الليل، وأكد أحدهم لـ "القدس العربي” أنه سيبقى في المشفى مع أسرته، باعتبار أن مناطق "جنوب وادي غزة”، التي يطالبهم جيش الاحتلال بالنزوح إليها لا تزال تشهد قصفاً جوياً إسرائيلياً عنيفاً، يوقع يومياً مئات الشهداء.
وجاء القصف العنيف في إطار سياسة جديدة تنتهجها قوات الاحتلال، لإخلاء تلك المشافي قسراً، تمهيداً لتدميرها، خاصة أن الطواقم الطبية فيها رفضت، في أوقات سابقة، طلبات إسرائيلية بإخلائها.
ومن شأن هذه الغارات أن تؤثر كثيراً على عمليات إسعاف المصابين، وإجراء العمليات الجراحية، خاصة أن إدارة المشافي حذرت من وقوع كارثة خطيرة، في حال أصابت الصواريخ والقذائف الإسرائيلية محطات الأوكسجين في تلك المشافي، وهو أمر حالَ وقع، سيحدث انفجارات ضخمة وحرائق ستدمر المشافي وتقضي على من فيها.
قنابل الفسفور
وميدانياً، تواصلت عمليات القصف الجوي الإسرائيلي العنيف على العديد من مناطق قطاع غزة، وقصف الطيران الحربي العديد من المنازل السكنية فوق رؤوس ساكنيها، ما رفع عدد الشهداء خاصة في صفوف الأطفال.
واستخدم جيش الاحتلال من جديد قنابل الفسفور المحرمة دولياً، في عمليات الاستهداف، ولوحظ أن استخدام هذا النوع من الأسلحة زاد خلال الساعات الـ 24 ساعة الماضية.
وتركزت الغارات في مناطق مدينة غزة، وتحديداً مخيم الشاطئ وحي تل الهوا وحي الزيتون، وكلها مكتظة بالسكان، وتقام فيها المباني بشكل متلاصق وقريب، وكذلك مناطق شمال القطاع، من خلال استمرار جيش الاحتلال بعمليات قصف على شكل "حزام ناري”.
كما شنت غارات أخرى على مناطق وسط وجنوب القطاع، استهدفت خلالها منازل ومنشآت مدنية، كان من بينها منزل شمال مخيم النصيرات، يأوي عائلتين نزحتا من مدينة غزة، فأوقعت 14 شهيداً، فيما أسفرت غارات أخرى عن وقوع العديد من الضحايا، بينهم أفراد أسر بالكامل.
كما أدت الغارات الجوية الدامية لاندلاع العديد من الحرائق في المناطق المستهدفة، خاصة في مناطق غزة وشمالها، وبدا الأمر كأنما مخطط له، بهدف دفع السكان هناك للنزوح إلى مناطق "جنوب وادي غزة”.
وزادت الغارات من ستارة الدخان والأتربة، التي تغطي العديد من مناطق قطاع غزة، خاصة المناطق الشرقية لقطاع غزة، وقد غطت تلك السحابة أحياء كاملة، أصبحت رؤيتها من بنايات مرتفعة معدومة بالكامل.
وأعلن جيش الاحتلال أنه قام بتنفيذ 300 غارة جوية، ليل الإثنين الثلاثاء، وأتبع ذلك بشن غارات عنيفة أيضاً في ساعات النهار.
الاحتلال يتوعد بمعركة طويلة
وقال الناطق العسكري الإسرائيلي إن الحرب ستكون طويلة، والأهداف مركبة، وأضاف متوعداً: "سنحقق هذه الأهداف”، وأشار إلى أن الأهداف من وراء العملية تفكيك حركة "حماس”، وإعادة الأسرى من هناك.
وكان وزير الجيش الإسرائيلي يوآف غلانت قال: "أمام حماس خياران فقط، إما الاستسلام أو الموت، ولا يوجد خيار ثالث”، وأضاف: "سنحقق هدف العملية البرية في غزة، بإعادة المختطفين وتفكيك قدرات حماس”.
ورفض رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو الدعوات الدولية لوقف إطلاق النار، والتي تبنتها الجمعية العامة للأمم المتحدة، وقال: "الدعوة إلى وقف إطلاق النار هي دعوة للاستسلام، لكننا لن نفعل ذلك”.
أما وزير الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلي، فقد قال: "تقييمنا أن توسيع العملية مستمر لأيام، وسيساعد على إبرام اتفاق الرهائن”، مشيراً إلى الدعم الأمريكي العسكري لبلاده في هذه الحرب ضد غزة. وقال: "حاملة الطائرات الأمريكية في المنطقة من أجل ضمان عدم حصول أي تصعيد”، وكان يقصد صدّ أي هجمات من مناطق ودول عربية تستهدف إسرائيل.
في المقابل قال الناطق باسم حركة "حماس” عبد اللطيف القانوع: "توسيع العملية العسكرية على قطاع غزة يعرض أسرى الاحتلال لدى المقاومة للخطر والقتل”، محملاً الاحتلال تبعات هذه العملية، التي وصفها بـ "الإجرامية”.
وأكد أن كتائب القسام تصدت لجنود الاحتلال الإرهابيين في عبورهم البري المحدود من عدة محاور.
وأشار إلى أن القوات الإسرائيلية التي دخلت غزة كانت بعدد محدود جداً، وفي أراض زراعية محروقة، وكانت تحت غطاء قصف الطائرات والدبابات، مؤكداً أن ضربات القسام دمرت عدداً من الدبابات الإسرائيلية، وأجبرت بعضها على التوقف في محور، والتراجع في محور آخر.
وقال: "الدبابات الإسرائيلية تدخل غزة لالتقاط صور هناك تعيد هيبة جيش الاحتلال الإرهابي الصهيوني، وتعيد ترميم معنوياته، وتسوّق أنها عملية برية واسعة”.
وقد زادت عمليات القصف الجوي العنيف والمدفعي من الضغط على طواقم المسعفين وفرق الإنقاذ، التي واجهت صعوبات كبيرة في إجلاء الضحايا أو إخراجهم من تحت الركام.
واضطرت كالعادة عربة الإسعاف الواحدة إلى نقل عدد من المصابين مرة واحدة، لعدم ملائمة عدد تلك العربات التي تتوجه إلى مناطق الاستهداف مع حجم الإصابات.
ولا تزال فرق الإنقاذ تبحث عن مصابين، وتنتشل جثث ضحايا من تحت ركام المنازل المستهدفة ذات الطوابق المتعددة، حيث تلقت تلك الفرق أكثر من 1600 بلاغ عن وجود ضحايا تحت المنازل والمباني التي تعرضت للقصف.
ويؤكد شهود عيان، في مناطق عدة في القطاع، أنهم يسمعون، بعد مرور أكثر من 24 ساعة، أصواتاً تخرج من تحت الركام لمصابين، في وقت لا تستطيع الآليات التي تملكها فرق الإنقاذ القيام بهذه المهام الصعبة، لافتقارها أولاً للوقود، وكذلك للآليات اللازمة لرفع الركام.
وباتت المناطق المستهدفة بالقصف الإسرائيلي أشبه بالشيء الذي يدخل إلى المطحنة، وفي كثير من مناطق القصف حوّلت الغارات الجوية، بفعل الصواريخ المخصصة لاختراق التحصينات شديدة الفتك والانفجار، الكتل الخرسانية إلى قطع صغيرة جداً.
المقاومة تتصدى للتوغل
وتواصلت عمليات التوغل البري التي ينفذها جيش الاحتلال في مناطق قريبة من الحدود الشرقية والشمالية لقطاع غزة، والتي تصدت لها المقاومة، بخوض اشتباكات عنيفة مع تلك القوات.
ولا تزال هناك قوات مدرعة إسرائيلية في مناطق تتبع بلدة بيت لاهيا شمال القطاع، وتتمركز تلك القوات على مقربة من منطقة "المدرسة الأمريكية”، فيما بقيت تلك القوات قرب المنطقة الحدودية الشرقية لمنطقة وسط قطاع غزة، دون التقدم باتجاه عمق أكبر، على غرار ما قامت به يوم الإثنين، حين وصلت إلى شارع صلاح الدين، الذي يربط بين مناطق القطاع.
وأعلنت المقاومة الفلسطينية من جديد خوض اشتباكات عنيفة مع قوات الاحتلال، استخدمت فيها الأسلحة الرشاشة والقذائف المضادة للدروع.
وقالت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة "حماس”، إن ناشطيها خاضوا اشتباكات مع قوات الاحتلال المتوغلة شمال غرب غزة، وأنهم تمكنوا من استهداف آليتين والإجهاز هناك على أحد الجنود الإسرائيليين من نقطة صفر.
وقالت إنها استهدفت قوة إسرائيلية راجلة بقذائف الهاون قرب معبر أبو سالم جنوب القطاع.
كما أعلنت عن تدمير آلية عسكرية لجيش الاحتلال قرب معبر "إيرز” شمال القطاع، من خلال استهدافها بقذائف مضادة للدروع من نوع "ياسين 105”.
كذلك استهدفت المقاومة بالصواريخ مستوطنات غلاف غزة، ومدناً إسرائيلية في مناطق الوسط، حيث دوّت صافرات الإنذار الإسرائيلية في العديد من المناطق.
وأعلن جيش الاحتلال أن قواته خاضت معارك عنيفة في قطاع غزة، وأعلن استمراره في توسيع عملياته العسكرية، زاعماً أن ذلك سيضغط على حركة "حماس”، لإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين.
غير أن حركة "حماس” قلّلت من أهمية تلك الخطط الإسرائيلية، وأكدت من جديد أن الاحتلال لن يحصل على أسراه الموجودين في قبضة مقاتليها، إلا من خلال صفقة تبادل شاملة.
و زادت حدة المأساة الإنسانية التي أحدثتها الحرب الإسرائيلية، بسبب قلة المواد التموينية، ونقص حاد في الأدوية والمستلزمات الطبية، مع منع الاحتلال إدخال أي كميات من الوقود، التي تخدم بالدرجة الأساسية في هذه الأوقات لو توفرت المشافي التي تقدم خدماتها لآلاف المصابين.
لا علاج للمصابين
وكانت وزارة الصحة في غزة أعلنت عن انهيار المنظومة الصحية، وقالت إنها تعمل بأقل الإمكانيات، وقال مدير عام مشافي قطاع غزة محمد زقوت: "إن المشافي لم تعد تحتمل كم الجرحى الكبير الذين يصلون المشافي”.
وأشار إلى أن هناك مشافي تنقطع عنها المياه، علاوة عن انقطاع التيار الكهربائي عن أجزاء كبيرة من المشافي، مجدداً المطالبة بوجود "ممر إنساني آمن” من أجل إخراج المصابين والمرضى للعلاج في مشاف مصرية.
وأكد أنه قد وصل القطاع، منذ بداية الحرب، وفد طبي من الصليب الأحمر، يقوم بإجراء عمليات للمصابين في مشفى غزة الأوروبي، مؤكداً أن هناك حاجة كبيرة لإخراج المصابين وعلاجهم، في ظل ما تعانيه المنظومة الصحية في القطاع من انهيار.
وأكدت وزارة الصحة من جديد أن 34 % فقط من مستشفيات قطاع غزة لا يعمل، وأشارت إلى إغلاق 12 مشفى من أصل 35، علاوة عن توقف 46 مركز رعاية من أصل 72 مركزاً.
ولفتت إلى تضرر 50 مركبة إسعاف، من بينها 25 تضررت بشكل كامل، وأكدت استمرار النقص الحاد في الأدوية والمعدات والكوادر الطبية اللازمة لعلاج الأعداد الكبيرة من الجرحى، إضافة إلى الانخفاض الحاد في الوقود اللازم لتشغيل مولدات الكهرباء، حيث يستمر إجراء عمليات جراحية بلا مخدر، وعلى ضوء الهواتف النقالة.
وتؤكد الوزارة أنه في حال لم تمر المساعدات الطبية، فإن المصابين حتى بإصابات متوسطة سيموتون لعدم توفر العلاج اللازم لهم.
كما تتواصل أيضاً مأساة السكان خاصة النازحين من مناطق القصف في مدينة غزة وشمالها، ومن مناطق شرق القطاع، وأصحاب المنازل المقصوفة.
وأكد مكتب الإعلام الحكومي أن الاحتلال يمارس "جريمة تطهير عرقي” في غزة، لافتاً إلى سقوط 10 آلاف شهيد ومفقود تحت الأنقاض.
وأشار رئيس المكتب سلامة معروف أن الاحتلال يواصل عمليات التدمير، حيث بلغ عدد المنازل التي تعرضت للقصف أكثر من 200 ألف وحدة، فيما جرى تدمير 85 مبنى حكومياً ومقرات منشآت خدماتية.
وأكد من جديد أن هناك مشافي ستتوقف عن العمل بشكل تام، في حال لم يتوفر الوقود لها بشكل عاجل، مؤكداً أن ما يدخل إلى القطاع من شاحنات مساعدات لا يكفي احتياجات المشافي والسكان.
وفي السياق كان مفوض عام مفوض وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا” قال إنه تم طرد مليون فلسطيني من شمال غزة إلى جنوبها، مؤكداً أن ما يجري في غزة يعد "عقاباً جماعياً”، واصفاً المساعدات التي تصل السكان بـ”الهزيلة”، لافتاً إلى أن الأدوية تنفد هناك.