الإعلام والواقع... أي واقع؟

الإعلام والواقع... أي واقع؟
أخبار البلد -   أخبار البلد - أتذكر أنني سمعت كلمة «الواقع» كثيراً جداً منذ بدأت دراسة الإعلام قبل أكثر من ثلاثة عقود؛ فهي واحدة من الكلمات التي تتردد عادة في قاعات الدرس لطلاب الصحافة، كما أنها ترد بانتظام في الكتب الدراسية، وأسئلة الامتحانات. ولاحقاً، كانت الكلمة ذاتها تظهر في أدلة الإرشادات التحريرية، وأكواد العمل الصحافي الرشيد، وعلى ألسنة زملاء العمل الأكبر سناً في غرف الأخبار.
لم يكن هناك ما هو أفضل من تقرير يعكس الواقع بأمانة... هكذا تعلم طلاب الصحافة على مدى أجيال، وتعلموا أيضاً أن إدراك هذا الواقع بوصفه حاصلاً ومعيشاً وقابلاً للإثبات، يحتاج جهداً وتركيزاً شديدين؛ إذ سيستلزم ذلك درجة مناسبة من الموضوعية، والإيراد الدقيق للمعلومات، والتثبت من مصادرها، والتوازن في تعيين أطراف الوقائع، وإتاحة الفرص العادلة لها للتعبير عن مواقفها، فضلاً عن أهمية عدم تجاهل خلفيات الأحداث وسياقاتها الضرورية.
كان الواقع مُؤطراً ومُعيناً بوضوح لعقود طويلة، وكان إدراكه كما هو ونقله للناس مع الشرح المطلوب جوهر مهمة الصحافيين، وعندما أخفق صحافيون، أو تعثرت وسائل إعلام، في نقل الواقع كما هو، تم توجيه الانتقادات والاتهامات؛ لأن أحدهم تحايل ودلّس في إدراك الواقع ونقله على نحو أمين، وهنا تم تصنيف وسائل الإعلام «التقليدية» مهنياً تبعاً لدرجة قربها، أو ابتعادها عن تحقيق الهدف المهني المنشود: إدراك الواقع، ونقله بأمانة.
لكن هذه المعادلة السهلة والبسيطة في آن لم تسلم من المعاندة والتجريح في عالم الوسائط «التقليدية»؛ إذ ظهرت الأهمية البالغة للإعلام في تشكيل الصور الذهنية والتأثير في الرأي العام مبكراً، كما ظهر التدافع النهم على تطويعها لإدراك المصالح، فازدهرت أنشطة التزوير والتحايل، وهيمنت على قطاع كبير من الممارسات الصحافية.
لم تكن تلك المخاطر غائبة عن المتابعين والنقاد منذ قرن من الزمان، حتى إن الكاتب والصحافي الشهير والتر ليبمان رأى في عشرينات القرن الفائت أن ما انطوت عليه وسائل الإعلام «التقليدية»، آنذاك، من «أكاذيب واختلاقات» كفيل بأن «يخلق عالماً كاملاً من الزيف».
ستُلقي هذه المآلات المنحرفة للحالة المعلوماتية، التي خاتلت في إدراك الواقع ونقله بأمانة، بأعباء كبيرة على قدرة الجمهور على فهم الواقع وتحليله تحليلاً صائباً، واتخاذ القرارات الرشيدة. أو هذا على الأقل ما حدث تحت القصف المركز للدعاية النازية والشيوعية في منتصف القرن المنصرم، وهو أمر لم تسلم منه «الميديا الغربية» بطبيعة الحال.
لكن القدرات الضخمة التي امتلكتها وسائل الإعلام «التقليدية» على مدى عقود طويلة، واستطاعت من خلالها أن تؤطر وعياً مُصطنعاً في بعض الأحيان، ستكون اليوم مجرد بدايات خجولة، إذا ما قورنت بالإبداع الخارق في مجالات الاصطناع والفبركة، الذي نشهده ضمن تجليات وسائط «التواصل الاجتماعي».
ومن واقع تم الجور عليه بسبب الممارسات المُسيئة لأقنية الإعلام «التقليدية»، انتقلنا إلى واقع آخر ترسمه وسائط أكثر نفاذاً وجرأة وشراسة. وسيتنبأ الفيلسوف الفرنسي جان بودريار، قبل عقدين، بما ستؤول إليه حالة الواقع في عالمنا، وسيقول بقدر لافت من المباشرة والوضوح: «في هذا العالم تزداد المعلومات أكثر فأكثر... بينما يصبح المعنى الحقيقي أقل فأقل».
وقد خصص بودريار وقتاً وجهداً كبيرين لتسليط الضوء على أدوار التزييف والتشبيه والمحاكاة في سلب الواقع واقعيته، وبناء سياق مُصطنع بديل، يعيش خلاله الناس مخدرين ومنومين... أسرى لاختلاقات تشبه الحقائق، لكنها أبعد ما تكون عنها.
ويشرح هذا الفيلسوف القادم من حقل علم الاجتماع فكرته في أن «التشبيهات سَتُضْحِي في المجتمع المُعولم أشد مصداقية من الواقع ذاته... ستكون واقعاً فائقاً» (Hyperreality) ؛ واستناداً إلى ذلك الواقع الفائق، الذي هو في حقيقته مفبرك ومصطنع، سيتم تشكيل الوعي والوجدان لقطاعات كبيرة من الجمهور، وهو أمر يجسد كابوساً مكتمل الأركان.
حدث ذلك كثيراً بالضبط وفق الوصف الدقيق لبودريار، وكانت اتجاهات الرأي العام حيال جائحة «كوفيد - 19»، أو الانتخابات الأميركية الرئاسية الأخيرة، أو الحقائق المُتعلقة بالحرب الروسية - الأوكرانية، شاهداً على شيوع الاصطناع، وتعدد الواقع، وانقسام الناس حيالهما.
ومع انبلاج عهد الـ«ميتا فيرس» خطت البشرية خطوة جديدة في طريق تعاملها مع الواقع؛ إذ تم تأصيل الاصطناع، وتطوير أنموذج أعمال دائم ومتطور لتجاوز الواقع، وتحويله من مفهوم «ثابت» إلى مفهوم مُتغير ومُتعدد.
وعبر صناعة متكاملة، تستخدم تقنيات جذابة، ينشأ عالم افتراضي جديد، يقدم تجربة غامرة تصطنع واقعاً كاملاً ركائزه من الخيال، وفي هذا الواقع الجديد سيمكن لأي شخص أن يعيش ويتعامل ويتشارك مع آخرين في واقع غير الواقع.
وسيكون لزاماً على الإعلام والإعلاميين أن يوطدوا أنفسهم للتنقل بين ثلاثة أنماط من الواقع؛ أولها حاصل ومعيش، وثانيها مضطرب ومضروب بالتزييف، وثالثها مُخلق ومُصطنع بالكامل، وهو أمر مُربك وخطير.
 
شريط الأخبار تعطيل مدارس العقبة غدا بسبب الحالة الجوية تفويض مديري التربية باتخاذ القرار بشأن دوام المدارس خلال الحالة الجوية الملك خلال لقائه ميرتس يؤكد ضرورة الالتزام بتنفيذ اتفاق إنهاء الحرب بجميع مراحله إجراء القرعة الإلكترونية لاختيار مكلفي خدمة العلم الاثنين محافظ العقبة: إنقاذ 18 شخصا تقطعت بهم السبل في القويرة هذا هو أكبر تحد في الأردن بنظر القاضي هل قتل ياسر أبو شباب بالرصاص؟ "يديعوت أحرونوت" تكشف "السبب الحقيقي" عواصف رعدية نشطة خلال الساعات المقبلة... وتحذيرات من السيول سلطة إقليم البترا تؤكد خلو الموقع الأثري من الزوار حفاظا على سلامتهم الحكومة: "ستاد الحسين بن عبدالله" في مدينة عمرة سيجهز بأحدث التكنولوجيا 6.4 مليار دينار حجم التداول العقاري في الأردن خلال 11 شهرا ولي العهد: أداء جبار من النشامى الأبطال لا تتفاجأوا اذا قاد السفير الأمريكي جاهة لطلب عروس! الحاج توفيق يثمّن فوز الأردن بأربع جوائز عربية للتميّز الحكومي وفاة شاب بالمفرق اثر ضربة برق توماس فريدمان: بوتين يتلاعب بالمبعوثيْن الأميركيين كما لو كان عازف ناي ماهرا عمان غرقت حتى الكتفين بالديون والمياه والكاميرات،، تكريم امين عمان في الخارج المنتخب الوطني يتأهل إلى ربع نهائي كأس العرب 2025 تعميم صادر عن الهيئة البحرية الأردنية بشأن الحالة الجوية المتوقعة وتأثيرها على النشاط البحري اشتداد حالة عدم الاستقرار مساء اليوم شاهد المناطق الأعلى عرضة للأمطار الغزيرة