فمن الحرب الروسية على أوكرانيا إلى كأس العالم لكرة القدم في قطر، ومن الأزمات السياسية والاقتصادية إلى الانتخابات الرئاسية والتشريعية في أكثر من بلد، توالت التطوّرات ومعها نقل الصور المباشر، وعاش العالم في عام واحد كثافة تحوّلات وانفعالات لن تنتهي آثارها وتداعياتها قبل سنوات طويلة.
مردّ ذلك أولاً أن لا حدث من تلك الأحداث الجسام تقتصر ديناميّاته ونتائجه على حدود وطنية أو قارية محدّدة. فالحرب التي يخوضها فلاديمير بوتين في أوكرانيا هي حرب تمسّ الأمن الأوروبي وتصيب منظومة العلاقات الدولية وتوازناتها كما رست منذ انهيار جدار برلين ومعه المعسكر «الاشتراكي» قبل ثلاثة عقود. وهي استدعت دعماً غربياً عسكرياً وسياسياً كبيراً لأوكرانيا، مقابل إصرار روسي على الاستمرار فيها لتعديل موازين القوى على الأرض وفي التحالفات العالمية. وهي بهذا المعنى أكبر صدام منذ الحرب العالمية الثانية، وليس من المرجّح أن تنتهي قريباً ولا أن تعود الخرائط في ساحتها المباشرة والديموغرافيا فيها وفي محيطها بعد نزوح الملايين إلى ما كانت عليه العام 2021.
كما أن الأزمات الاقتصادية الناجمة عنها أو المستفحلة بسببها لن تجد حلولاً قريبة. فلا موارد الطاقة المتقلّصة أصلاً وطرق إمدادها ستكون متاحةً بيُسر أو بما يكفي لسدّ الحاجة المتعاظمة إليها، ولا الأسعار التي ارتفعت وتسبّبت بتراجع القدرة الشرائية لمئات ملايين البشر قد ترجع سريعاً إلى سابق عهدها، ولا النقص في موارد حيوية لاستهلاك الناس بصدد المعالجة، خاصة أن العالم بأسره، وفي مقدّمه الصين، لم يتعاف من تبعات أزمة كورونا وما أدّت إليه من مشكلات ومعضلات وتغيير في العادات والعلاقات والتواصل. والحرب الروسية على أوكرانيا إن تصاعدت أو أحجم أطرافها عن تسويات تُتيح على الأقل حصاد القمح وتصديره قد تُفضي فوق ذلك إلى مجاعات أو مخاطر مجاعات حقيقية في مناطق بعيدة عن حلبة معاركها، في أفريقيا بخاصة حيث يمكن لنقص القمح والحبوب أن يكون في مراحل جفاف متوقّعة فتّاكاً بمئات الألوف من الناس الأكثر عوزاً.
في الوقت ذاته، شهد العام المنصرم استحقاقات سياسية متلاحقة في أكثر من موضع، لا شكّ أن الانتخابات النصفية في أمريكا، والرئاسية في البرازيل وفرنسا والتشريعية في السويد وإيطاليا والانتفاضة الشعبية في إيران هي أبرز محطّاتها. فهي جسّدت اتجاهات التيّارات السياسية وعلاقتها بالرأي العام وبصراعات الهويّة والانفتاح وكراهية «الآخر» وبالمسألة البيئية وآثارها الخطيرة في الكثير من أنحاء عالم اليوم.
فهزيمةُ اليميني المتطرّف بولسونارو في البرازيل، الذي دمّر خلال ولايته الرئاسية عشرات آلاف الكيلومترات المربّعة من الغابات في الأمازون، رئة الكرة الأرضية، شكّلت محطة مهمّة في الكفاح ضد صعود التيارات المعادية للتنوّع والعدالة الاجتماعية والبيئة في أمريكا الجنوبية. وفشَلُ دونالد ترامب في تحقيق انقلاب سياسي عبر الانتخابات التشريعية في الولايات المتحدّة، أظهر استمرار المواجهة الحادة هناك بين المؤسسات بصيغتها الدستورية والقانونية التاريخية وبين الشعبوية ورفض ما تسمّيه بـ»الاستابلشمنت» وبالتقاليد الحزبية والانتخابية المتقادمة. كما أظهر عمق الانقسام المجتمعي حول المسائل الاقتصادية والعنصرية وقضايا الهجرة على نحو يتخطّى خريطة أمريكا نفسها ويحاكي انقسامات معظم مجتمعات الغرب، التي شهدت ثلاثةٌ منها انتخابات بارزة في دلالاتها وتباينات نتائجها وفي تجسيدها لنفس الانقسامات.
ففي فرنسا خسر اليمين المتطرّف أمام ماكرون الذي جدّد ولايته، لكن هذا اليمين تقدّم في نسبة التصويت مقابل تراجع اليمين واليسار التقليديّين. وفي إيطاليا والسويد فاز اليمين المتطرّف بتشكيلاته وتحالفاته المتنوّعة على نحو متوقّع في الأولى ومفاجئ في الثانية المعروفة بتراثها وتاريخها الديمقراطي-الاجتماعي. وجاء فوزه في الحالتين (لينضم أوروبياً إلى هنغاريا حيث يحكم ائتلاف يُماثله) نتيجة استنفار الغرائز الكارهة للمهاجرين واللاجئين واستدعاء العداء للنخب السياسية المتناوبة على الحُكم ولديماغوجيةٍ في ادّعاء القدرة على اجتراع الحلول الاقتصادية والاجتماعية بمعزل عن أوروبا.
وكلّ هذا يُشير إلى استفحال الأزمات التي تطال النُظم السياسية والحزبية والمؤسساتية الديمقراطية في قسم من العالم، وهو استفحال لا مؤشّرات لقرب تراجعه أو انحساره.
على أن العام المنصرم شهد أيضاً انتفاضة نسوية وشعبية كبرى في إيران، ذكّرت بالانتفاضات السابقة في العامين 2009 و2019 في البلد نفسه كما في البلدان العربية في موجتَي العام 2011 (تونس ومصر وليبيا واليمن والبحرين وسوريا) والعام 2019 (السودان والجزائر ولبنان والعراق). والانتفاضة هذه مستمرّة بأشكال مختلفة اليوم رغم نجاح النظام المؤقّت في منعها من التحوّل إلى ثورة شاملة. وهي تؤكّد أن التوق للتغيير وللتحرّر من الاستبداد لم ينطفئ تماماً في قسم ثانٍ من العالم على الرغم من الثورات المضادة والحروب وصعوبة التغيير.
وشهد العام الراحل أخيراً استراحةً من كلّ ما ورد خلال بطولة «كأس العالم» لكرة القدم المقامة في قطر. والبطولة شهدت قبل التئامها سجالات سياسية دولية حول مشروعيّة تنظيمها في الجزيرة الخليجية، وحول جملة من الملابسات أحاطت ببناء ملاعبها، من بينها ظروف العمّال الأجانب ومعاناتهم. إلا أن انطلاق المباريات أطفأ السجالات هذه. وتحوّل «المونديال» إلى مناسبة لتكريس مصالحات سياسية إقليمية (بين السعودية وقطر وبين تركيا ومصر)، وإلى منصّة رفع أعلام فلسطينية تذكّر يومياً بمأساة الفلسطينيين المستمرة تحت الاحتلال ونظام التمييز العنصري الإسرائيلي. وقد رافقت الأعلام جميع المباريات، وبالأخص مباريات مفاجأة البطولة الأبرز، منتخب المغرب الذي أقصى بلجيكا وإسبانيا والبرتغال وبلغ الدور النصف نهائي في إنجاز غير مسبوق للكرتين الأفريقية والعربية.
مردّ ذلك أولاً أن لا حدث من تلك الأحداث الجسام تقتصر ديناميّاته ونتائجه على حدود وطنية أو قارية محدّدة. فالحرب التي يخوضها فلاديمير بوتين في أوكرانيا هي حرب تمسّ الأمن الأوروبي وتصيب منظومة العلاقات الدولية وتوازناتها كما رست منذ انهيار جدار برلين ومعه المعسكر «الاشتراكي» قبل ثلاثة عقود. وهي استدعت دعماً غربياً عسكرياً وسياسياً كبيراً لأوكرانيا، مقابل إصرار روسي على الاستمرار فيها لتعديل موازين القوى على الأرض وفي التحالفات العالمية. وهي بهذا المعنى أكبر صدام منذ الحرب العالمية الثانية، وليس من المرجّح أن تنتهي قريباً ولا أن تعود الخرائط في ساحتها المباشرة والديموغرافيا فيها وفي محيطها بعد نزوح الملايين إلى ما كانت عليه العام 2021.
كما أن الأزمات الاقتصادية الناجمة عنها أو المستفحلة بسببها لن تجد حلولاً قريبة. فلا موارد الطاقة المتقلّصة أصلاً وطرق إمدادها ستكون متاحةً بيُسر أو بما يكفي لسدّ الحاجة المتعاظمة إليها، ولا الأسعار التي ارتفعت وتسبّبت بتراجع القدرة الشرائية لمئات ملايين البشر قد ترجع سريعاً إلى سابق عهدها، ولا النقص في موارد حيوية لاستهلاك الناس بصدد المعالجة، خاصة أن العالم بأسره، وفي مقدّمه الصين، لم يتعاف من تبعات أزمة كورونا وما أدّت إليه من مشكلات ومعضلات وتغيير في العادات والعلاقات والتواصل. والحرب الروسية على أوكرانيا إن تصاعدت أو أحجم أطرافها عن تسويات تُتيح على الأقل حصاد القمح وتصديره قد تُفضي فوق ذلك إلى مجاعات أو مخاطر مجاعات حقيقية في مناطق بعيدة عن حلبة معاركها، في أفريقيا بخاصة حيث يمكن لنقص القمح والحبوب أن يكون في مراحل جفاف متوقّعة فتّاكاً بمئات الألوف من الناس الأكثر عوزاً.
في الوقت ذاته، شهد العام المنصرم استحقاقات سياسية متلاحقة في أكثر من موضع، لا شكّ أن الانتخابات النصفية في أمريكا، والرئاسية في البرازيل وفرنسا والتشريعية في السويد وإيطاليا والانتفاضة الشعبية في إيران هي أبرز محطّاتها. فهي جسّدت اتجاهات التيّارات السياسية وعلاقتها بالرأي العام وبصراعات الهويّة والانفتاح وكراهية «الآخر» وبالمسألة البيئية وآثارها الخطيرة في الكثير من أنحاء عالم اليوم.
فهزيمةُ اليميني المتطرّف بولسونارو في البرازيل، الذي دمّر خلال ولايته الرئاسية عشرات آلاف الكيلومترات المربّعة من الغابات في الأمازون، رئة الكرة الأرضية، شكّلت محطة مهمّة في الكفاح ضد صعود التيارات المعادية للتنوّع والعدالة الاجتماعية والبيئة في أمريكا الجنوبية. وفشَلُ دونالد ترامب في تحقيق انقلاب سياسي عبر الانتخابات التشريعية في الولايات المتحدّة، أظهر استمرار المواجهة الحادة هناك بين المؤسسات بصيغتها الدستورية والقانونية التاريخية وبين الشعبوية ورفض ما تسمّيه بـ»الاستابلشمنت» وبالتقاليد الحزبية والانتخابية المتقادمة. كما أظهر عمق الانقسام المجتمعي حول المسائل الاقتصادية والعنصرية وقضايا الهجرة على نحو يتخطّى خريطة أمريكا نفسها ويحاكي انقسامات معظم مجتمعات الغرب، التي شهدت ثلاثةٌ منها انتخابات بارزة في دلالاتها وتباينات نتائجها وفي تجسيدها لنفس الانقسامات.
ففي فرنسا خسر اليمين المتطرّف أمام ماكرون الذي جدّد ولايته، لكن هذا اليمين تقدّم في نسبة التصويت مقابل تراجع اليمين واليسار التقليديّين. وفي إيطاليا والسويد فاز اليمين المتطرّف بتشكيلاته وتحالفاته المتنوّعة على نحو متوقّع في الأولى ومفاجئ في الثانية المعروفة بتراثها وتاريخها الديمقراطي-الاجتماعي. وجاء فوزه في الحالتين (لينضم أوروبياً إلى هنغاريا حيث يحكم ائتلاف يُماثله) نتيجة استنفار الغرائز الكارهة للمهاجرين واللاجئين واستدعاء العداء للنخب السياسية المتناوبة على الحُكم ولديماغوجيةٍ في ادّعاء القدرة على اجتراع الحلول الاقتصادية والاجتماعية بمعزل عن أوروبا.
وكلّ هذا يُشير إلى استفحال الأزمات التي تطال النُظم السياسية والحزبية والمؤسساتية الديمقراطية في قسم من العالم، وهو استفحال لا مؤشّرات لقرب تراجعه أو انحساره.
على أن العام المنصرم شهد أيضاً انتفاضة نسوية وشعبية كبرى في إيران، ذكّرت بالانتفاضات السابقة في العامين 2009 و2019 في البلد نفسه كما في البلدان العربية في موجتَي العام 2011 (تونس ومصر وليبيا واليمن والبحرين وسوريا) والعام 2019 (السودان والجزائر ولبنان والعراق). والانتفاضة هذه مستمرّة بأشكال مختلفة اليوم رغم نجاح النظام المؤقّت في منعها من التحوّل إلى ثورة شاملة. وهي تؤكّد أن التوق للتغيير وللتحرّر من الاستبداد لم ينطفئ تماماً في قسم ثانٍ من العالم على الرغم من الثورات المضادة والحروب وصعوبة التغيير.
وشهد العام الراحل أخيراً استراحةً من كلّ ما ورد خلال بطولة «كأس العالم» لكرة القدم المقامة في قطر. والبطولة شهدت قبل التئامها سجالات سياسية دولية حول مشروعيّة تنظيمها في الجزيرة الخليجية، وحول جملة من الملابسات أحاطت ببناء ملاعبها، من بينها ظروف العمّال الأجانب ومعاناتهم. إلا أن انطلاق المباريات أطفأ السجالات هذه. وتحوّل «المونديال» إلى مناسبة لتكريس مصالحات سياسية إقليمية (بين السعودية وقطر وبين تركيا ومصر)، وإلى منصّة رفع أعلام فلسطينية تذكّر يومياً بمأساة الفلسطينيين المستمرة تحت الاحتلال ونظام التمييز العنصري الإسرائيلي. وقد رافقت الأعلام جميع المباريات، وبالأخص مباريات مفاجأة البطولة الأبرز، منتخب المغرب الذي أقصى بلجيكا وإسبانيا والبرتغال وبلغ الدور النصف نهائي في إنجاز غير مسبوق للكرتين الأفريقية والعربية.